أعلم أن التساؤل المطروح قد يكون عكس التيار السائد حاليًّا، والذي يُدين الاعتقالات الأخيرة بحقِّ الإخوان، ولا خلاف عندي على ذلك، فالاعتقالات الحالية هي جريمة سياسية وإنسانية وأخلاقية بلا شك، في ظل عدم وجود أي دليلٍ مادي ملموس يبرِّر الاعتقال، اللهم إلا أنها محاولة لترتيب البيت بالشكل الذي يسمح بانتقال هادئ للسلطة للوريث المنتظر.

 

لكني أعتقد أن الاعتقالات قد تُمثِّل من زاويةٍ مختلفةٍ مكسبًا كبيرًا للإخوان للأسباب التالية:

أولاً: عملية الاعتقال تُمثِّل ضغطًا نفسيًّا دائمًا ومستمرًّا على قيادات الجماعة تجعلهم دائمًا في حالة (توقع) مستمر للاعتقال؛ مما يُحتِّم عليهم إيجاد صفٍّ ثانٍ وثالثٍ على الأقل من القيادات التي تحل محل مَن يُعتقل، وهذا في حدِّ ذاته يُمثِّل مكسبًا كبيرًا للإخوان؛ حيث إنه يعمل على ضخِّ دماءٍ جديدةٍ بصفةٍ مستمرة إلى هيكل الجماعة، وهذه الميزة تكاد تكون منعدمةً في التيارات السياسية الأخرى التي لا تُجدد من قيادات الصفِّ الأول لديها، وتظل متمسكةً بمقاعدها حتى تشيخ عليها وتتيبس الحركة بها، رغم عدم تعرضها للضغوط الأمنية التي يتعرَّض لها الإخوان.

 

ثانيًا: عملية الاعتقال عادةً ما تتم للقيادات المعروفة لدى الأجهزة الأمنية، وعندما تُعتقل القيادة يمسك بزمام الأمور قيادات الصف الثاني الذي يكونون في العادة غير معروفين؛ مما يتيح لهم مرونة أعلى في الحركة والأداء دون خوفٍ من المتابعة الأمنية لهم، وهذا يعتبر نقطة تصبُّ في صالح الحركات السياسية التي تعمل داخل نظامٍ سياسي أمني استبدادي من الدرجة الأولى.

 

ثالثًا: تعتبر الاعتقالات المتكررة للإخوان عامةً والقيادات خاصةً عاملَ تماسكٍ كبيرٍ للكوادر الإخوانية؛ لأن أي حركةٍ سياسيةٍ عندما يشعر المنتسب إليها بأن القيادات هي أول مَن يدفع ثمن المبادئ التي تتبناها الحركة؛ فإن ذلك يعتبر عامل (ثبات) واطمئنان للمنتسبين إليها، كما أنه من الملاحظ لأي متتبعٍ لجماعة الإخوان المسلمين أن الضغوط الأمنية المستمرة التي تتعرض لها الجماعة لم تؤدِ إلى انشقاقاتٍ داخل الصفِّ الإخواني على مستوى القاعدة أو القيادة، كل هذه النقاط تجعل هناك معامل أمان لدى قواعد الإخوان- أو حتى المراقبين- من قوة الإخوان ومدى تماسكهم.

 

رابعًا: تضع الاعتقالات الإخوانَ في صورة (الضحية المضطهد) الذي يعاني من بطش السلطة غير المدعوم بأي سندٍ قانوني معتبر، وهذه الصورة المتكونة تزيد من حجم التعاطف الكبير من قِبل المواطنين للإخوان الذي لا ينفكوا- أي المواطنين- يصبوا اللعنات على الظالمين الذي يعتقلون الناس ظلمًا وعدوانًا، كما أن التعاطف الشعبي سرعان ما يحوّل الإخوان من سورة (الضحية) إلى صورة (البطل) الذي يدافع عن الناس ويتحمل الاضطهاد الواقع عليه في مقابل ذلك.

 

خامسًا: يُقدِّم الإخوان نموذجًا للحركة الإسلامية المعتدلة التي تُقدِّم مصلحةَ الوطن على مصلحتها الشخصية، فقد كان من المقبول عند كثيرٍ من المراقبين والمثقفين أن يدخل الإخوان في صدامٍ مباشرٍ مع الدولة، سوف يجده الكثيرون مبررًا نتيجةً للضغوط الأمنية الهائلة التي يتعرضون لها، لكن إدراك الجماعة أن الصدام لن يعني سوى خسارة الجميع النظام والإخوان ومن قبلهما الوطن، كل هذا يجعل الكثيرون يُقدِّرون لها حرصها على مصلحة الوطن قبل مصلحةِ الجماعة.

 

سادسًا: الاعتقالات تُقدِّم دعمًا معنويًّا كبيرًا لفروع الإخوان المختلفة حول العالم، وبخاصة في فلسطين حين يشعر كوادر حماس أن الحركة الأم في مصر تشاركهم هي الأخرى التضحية، مع الفارق المعتبر بالطبع مع حجم وشكل التضحية.

 

سابعًا: يحصل الإخوان نتيجةً للاعتقال على دعمٍ دولي واسع النطاق من المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والشخصيات الاعتبارية حول العالم، وشهدنا خلال محاكمة خيرت الشاطر ورفاقه زخمًا دوليًّا كبيرًا متعاطفًا مع القضية، وحضور شخصيات معتبرة منها وزراء عدل سابقين من الولايات المتحدة، قد يكون هذا الزخم لم يؤتِ أكله، لكنه بأي حالٍ يُعتبر إضافةً لا حذف لأي حركة سياسية.

 

ثامنًا: عمليات الاعتقال المستمرة للإخوان تجعل عملية الانضمام للجماعة عملية محفوفة بالمخاطر قد لا يُقدم عليها الكثيرون، وهذا يعتبر أمرًا سلبيًّا بالنسبة للجماعة بلا شك؛ لكنه من زاويةٍ أخرى يعتبر مكسبًا كبيرًا لها!!، كيف؟

 

لأنه ببساطة شديدة لن يقدم على الانضمام للجماعة سوى مَن هو على قناعةٍ بالفعل بمبادئ الجماعة وإيديولوجيتها، ويبتعد بالتالي النفعيون والمتسلقون وأصحاب المنافع الشخصية، وهذا في حدِّ ذاته يعتبر إنجازًا كبيرًا لأي حركةٍ شعبيةٍ، والنظام هو الذي يساعد الإخوان على أداء هذا الإنجاز دون قصدٍ منه.

 

بالطبع لستُ سعيدًا بما يحدث الآن من قِبل النظام تجاه الإخوان، بل إني اعتبره خطيئةً كبرى في حقِّ الوطن؛ لكنها محاولة للنظر في النصفِ الآخر من الكوب، وحتى يعلم الجميعُ أنه ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُون﴾ (البقرة: من الآية 216).