بقلم: د. علي محمد الصلابي

حسن الظن بالله من العبادات الجليلة التي ينبغي أن يملأ المؤمن بها قلبه في جميع أحواله، ويستصحبها في حياته، فيحسن الظن بالله عند طلبه للمغفرة وفي إجابة الدعاء، وعند طلب الرزق والعلم، وفي كل شؤون دينه ودنياه. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله تعالى، والذي لا إله غيره لا يحسن عبدٌ بالله الظنّ إلا أعطاه الله عز وجل ظنّه، ذلك بأن الخير في يده ".

ويقصد بحسن الظن بالله: توقُّع كلِّ جميل وحَسَن من الله تعالى؛ فيظن العبد بربه الرحمة، ويرجو ذلك مع الأخذ بكافة الأسباب وسؤال الله تعالى ألا يكله إلى تلك الأعمال، وإنما إليه وحده، وهو من أعمال القلوب، وما أُعطي العبد المؤمن خيراً أفضل من حسن الظنِّ بخالقه، فحسن الظنّ بالله تعالى من حُسن عبادة المسلم (مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 217، جزء 89).

وقد ذكر القرآن حال الأنبياء في حال الشدائد العصيبة من حسن ظنهم بربهم ويقينهم وثقتهم بوعده، فكانت لديهم عقيدةً راسخة وليست خواطر عابرة، قال موسى لقومه لما قالوا: { فَلَمّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىَ إِنّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاّ إِنّ مَعِيَ رَبّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْقٍ كَالطّوْدِ الْعَظِيمِ} (سورة الشعراء: 61-63)، وقال صلى الله عليه وسلم للصدّيق يوم جاء أعداؤه إلى الغار {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (سورة التوبة: 40)، وقال: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟"

وقد ذكر النَّووي عن العلماء معنى حُسْن الظَّن بالله تعالى: " أن يَظُنَّ أنَّه يرحمه، ويعفو عنه. قالوا: وفي حالة الصِّحَّة يكون خائفًا راجيًا، ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح. فإذا دنت أمارات الموت، غلَّب الرَّجاء، أو محَّضه؛ لأنَّ مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطَّاعات والأعمال، وقد تعذَّر ذلك، أو معظمه في هذا الحال، واستُحِبَّ إحسان الظَّن المتضمِّن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له" (صحيح مسلم بشرح النووي).

ويقول ابن القيِّم في حديثه عن حسن الظن بالله: "أنه كلما كان العبد حَسن الظَّن بالله، حَسن الرَّجاء له، صادق التوكُّل عليه، فإنَّ الله لا يخيِّب أمله فيه البتَّة؛ فإنَّه سبحانه لا يخيِّب أمل آملٍ، ولا يضيِّع عمل عاملٍ، وعبَّر عن الثقة وحُسْن الظَّن بالسَّعة؛ فإنَّه لا أشرح للصَّدر، ولا أوسع له بعد الإيمان من ثقته بالله ورجائه له، وحُسْن ظنِّه به" (مدارج السالكين، لابن القيم).

وحسن الظن بالله تعالى له أهمية كبيرة في حياة الفرد المسلم؛ حيث أوصى النبي الكريم الأمة الإسلامية بحسن الظن بالله تعالى لما له من فوائد كثيرة تعود على الفرد بالخير، كما يرتبط حسن الظن بالله تعالى بمسائل أخرى عقدية؛ مثل التوكل والثقة بما عند الله  عز وجل، ولما له من الأثر أيضاً على حياة المؤمن الدنيوية والأخروية (مجموعة من المؤلفين، مجلة البيان، صفحة 18، جزء 143).

ما أروع حسن الظن بالله حين يوقن المؤمن أن بعد الكسر جبراً، وأن بعد العسر يسراً، وأن بعد التعب راحة وبعد الدمع بسمة، وبعد المرض شفاء، وبعد الدنيا جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، فعلى المسلم أن يفهم حسن الظن بالله الفهم الصحيح، وهو العمل بطاعة الله واجتناب معصيته، والأخذُ بالأسباب مع رجاء فضل الله والفوز بمعونته وقبوله ومغفرته.

 

المراجع:

·      مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، جزء 89.

·      مجموعة من المؤلفين، مجلة البيان، جزء 143.

·      صحيح مسلم بشرح النووي.

·      مدارج السالكين، لابن القيم.