د. توفيق زبادي*
قِوَام الأمْرِ بالكسر: نِظامُه وعِمادُه، وقِوام الأمر أيضاً مِلاَكه الذي يقوم به([1]).
ونعني بمقومات الإعانة في طريق الدعوة: أي: عماد الإعانة في طريق الدعوة وما تقوم به.
أولاً: الأخوة :
اقترن اسم موسى بأخيه هارون ـ عليهما السلام ـ فيما يقرب من خمسة عشرة موضعاً في القرآن تصريحاً وتلميحاً؛ وذلك لشدة التصاحب والتلازم بينهما، ولوحدة الرسالة التي بُعِثا بها.
قال تعالى : }وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً { ([2]).
وَمَعْنَى هِبَةِ أَخِيهِ لَهُ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّزَهُ بِهِ وَأَعَانَهُ بِهِ، إِذْ جَعَلَهُ نَبِيًا وَأَمَرَهُ أَنْ يُرَافِقَهُ فِي الدَّعْوَةِ؛ لِأَنَّ فِي لِسَانِ مُوسَى حُبْسَةً، وَكَانَ هَارُونُ فَصِيحُ اللِّسَانِ، فَكَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْ مُوسَى بِمَا يُرِيدُ إِبْلَاغَهُ، وَكَانَ يَسْتَخْلِفُهُ فِي مُهِمَّاتِ الْأُمَّةِ. وَإِنَّمَا جُعِلَتْ تِلْكَ الْهِبَةُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ رَحِمَ مُوسَى إِذْ يَسَّرَ لَهُ أَخًا فَصِيحَ اللِّسَان، وأكمله بالإنباء حَتَّى يَعْلَمَ مُرَادَ مُوسَى مِمَّا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى"([3]).
قال أيضاً في سبب اختيار موسى أخاه: فَكَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ مَظِنَّةُ النُّصْحِ لَهُ، وَكَوْنُهُ أَخَاهُ أَقْوَى فِي الْمُنَاصَحَةِ، وَكَوْنُهُ الْأَخَ الْخَاصَّ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُ بِأَصَالَةِ الرَّأْيِ([4]).
فالأخ المُعين رحمة من الله ـ سبحانه وتعالى ـ لأخيه في طريق الدعوة إلى الله فليصونها ولا يعرضها للضعف أو الزوال بالتقصير في حق الله الغفار .
ثانياً: الثقة :
وثق: وثِقْتُ بفلان أَثِقُ، ثقةً إذا ائتمنته([5])، ووَثُقَ الشَّيْءُ بِالضَّمِّ وَثَاقَةً قَوِيَ وَثَبَتَ فَهُوَ وَثِيقٌ ثَابِتٌ مُحْكَمٌ([6]).
ونقصد بالثقة: اطمئنان الأخ إلى أخيه المُعين في أمانته، وتقويته وتثبيته له فيما تعاهدا عليه من العمل في طريق الدعوة .
قال صاحب المنار-رحمه الله - عن ثقة موسى بهارون –عليهما السلام : "وَأَمَّا ثِقَتُهُ بِأَخِيهِ فَلِعِلْمِهِ الْيَقِينِيِّ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَيَّدَهُ بِمِثْلِ مَا أَيَّدَهُ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا بِإِعْلَامِ اللهِ وَوَحْيِهِ، وَمَا يَجِدُهُ مِنَ الْوِجْدَانِ الضَّرُورِيِّ فِي نَفْسِهِ لَكَانَ بَلَاؤُهُ مَعَهُ فِي مُقَاوَمَةِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ، ثُمَّ فِي سِيَاسَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ ، وَفِي حَالِ انْصِرَافِهِ لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ مَا يَكْفِي لِلثِّقَةِ التَّامَّةِ" ([7]).
وقال ابن عاشور-رحمه الله - عن اختصاص موسىـ عليه السلام ـ هارون بالاختيار:" وَخَصَّ هَارُونَ لِفَرْطِ ثِقَتِهِ بِهِ"([8]).
فكان اطمئنان موسى إلى أمانة أخيه هارون ـ عليهما السلام ـ وتقويته وتثبيته في بلائه في مقاومة فرعون وقومه ما يكفي لثقته التامة بأخيه.
وهذا ما يجب أن يتوافر بين الأخوة المعينة في طريق الدعوة .
ثالثاً : الطاعة :
طوع: فلانٌ طَوْعُ يديك، أي منقادٌ لك، والمُطاوعةُ: الموافقَةُ([9]).
ونعني بالطاعة: انقياد الأخ المُعين لأخيه المُعان وموافقته له في كل ما يُقْدِم عليه من طاعة ربه ورضاه في طريق الدعوة إلى الله ، فإنما " الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ"([10]).
قال ابن عباس-رضي الله عنهما - عن علاقة هارون بموسى – عليهما السلام -: " وكان هارون هائبًا له مطيعًا" ([11]) .
وقال ابن تيمية –رحمه الله - : في قوله تعالى :} رَبِّ إنِّي لَا أَمْلِكُ إلَّا نَفْسِي وَأَخِي{([12]) لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي أَخِيهِ؛ لِطَاعَتِهِ لَهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ([13]).
ونخلص أن عماد الإعانة في طريق الدعوة الأخوة فإذا مُتِّنَت ، قوية الثقة والموافقة، وإذا قويت الثقة والموافقة، سهُلَتْ الطاعة والانقياد بين المتعاونين في طريق الدعوة .
* أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم
[1] لسان العرب : 1/ 265 .
[2] سورة مريم53
[3] التحرير والتنوير : 16 / 129 .
[4] التحرير والتنوير :3 / 212 .
[5] الصحاح في اللغة :2/ 266 .
[6] المصباح المنير : 10/ 249 .
[7] تفسير المنار : 6/ 277 .
[8] التحرير والتنوير : 16/ 212.
[9] الصحاح في اللغة : 1/ 432 .
[10] صحيح البخاري : السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية ،(6612).
[11] تفسير ابن كثير :5/ 312 .
[12] سورة المائدة25
[13] مجموع الفتاوى : 8/ 16 .