د. توفيق زبادي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
مقدمة:
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{([1]). } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{([2]). }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{([3]) ، أما بعد([4]) :
فأمر الدعوة إلى الله أمر جليل عظيم عند الله ، يختص به من يشاء من عباده لتبليغ رسالته إلى خلقه.
والدعاة إلى الله سفراء بين الله وخلقه، وأَعْظمْ بهذه المنزلة، وهذه المكانة.
والداعي إلى الله الذي عانى أمر الدعوة إلى الله يعرف أهمية أن يكون له أخ موات مُعين مؤازر في السراء والضراء، يُستشار وتُبَثُ الشكوى إليه، وبدون ذلك يحس الداعية بغربة هائلة مُحْزِنَة، كما ورد عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :" صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْأَمِيرِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ"([5]).
وأدب المُعين المؤازر في الدعوة إلى الله: شد الأزر، والاشتراك في الأمر.
والغاية من الإعانة ذكر الله وتسبيحه، كما قال تعالى على لسان موسى } وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي. هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي. كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا. وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا. إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا{ ، فاستجاب الله لطلب موسى كما قال تعالى : }قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى {([6]).
فإن لم يتحقق كثرة الذكر وكثرة التسبيح، فلا تكون أخوة مُعينة خالصة لله.
وهذه سنة الله في الأنبياء والرُسل .
تعريف الإخاء في اللغة والاصطلاح
الإخاء لغة:
الأخ من النّسب: هو من جمعك وإيّاه صلب أو بطن. وقد يكون الصّديق والصّاحب. وجمع الأخ إخوة وإخوان. وقال بعض النّحويّين: سمّي الأخ أخا؛ لأنّ قصده قصد أخيه.
وفي الحديث: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَالأَنْصَارِ ([7]) ، أي: ألّف بينهم بأخوّة الإسلام والإيمان.
والتّآخي: اتّخاذ الإخوان. وفي صفة أبي بكر: " َلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ" ([8]).
وقال ابن الجوزيّ: الأخ: اسم يُرَاد به المساوي والمعادل([9]).
الإخاء اصطلاحا:
قيل: هو مشاركة شخص لآخر في الولادة من الطّرفين أو من أحدهما أو من الرّضاع، ويستعار لكلّ مشارك لغيره في القبيلة أو في الدّين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودّة أو في غير ذلك من المناسبات.
وقال ابن حجر في قوله تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ{ ([10])، يعني في التّوادّ وشمول الدّعوة ([11]).
والأخوة: هي قوة إيمانية تورث شعوراً عميقاً بعاطفة صادقة ومحبة وود واحترام، وثقة متبادلة، مع كل من تربطنا بهم عقيدة التوحيد ومنهج الإسلام الخالد.
عون: العون المعاونة والمظاهرة، يقال فلان عوني أي معينى وقد أعنته، قال (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) ([12])، والتعاون التظاهر([13]).
ونقصد بالأخوة المعينة : مشاركة المتحابين والمتوادين في الله في تبليغ دعوة رب العالمين إلى العالمين، متحملين في سبيل ذلك الابتلاء واللأواء، موقنين بعون الله ونصرته لهم.
([1]) سورة آل عمران ،آية(102).
([2]) سورة النساء ، آية (1).
([3]) سورة الأحزاب ، آية (70-71).
([4]) تُسمى هذه خطبة الحاجة و كان رسول الله - r- يفتتح بها كلامه ، في الحديث الذي رواه ابن مسعود ،مسند الإمام أحمد(ج1/392).
[5] سنن أبي داود : في اتخاذ الوزير ،(2543). قال الألباني: صحيح - "صحيح أبي داود" (2603)، "الصحيحة" (489).
[6] سورة طه : 24 -36 .
[7] المعجم الكبير للطبراني : 1/ 306 .
[8] صحيح البخاري : الخوخة والممر في المسجد ،( 446).
[9] لسان العرب (14/ 2319)، ونزهة الأعين النواظر (131).
[10] الحجرات10
[11] فتح الباري (7/ 317)، ومفردات الراغب (13)، والكليات للكفوي (63)، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (41).
[12] سورة الكهف95
[13] المفردات : 598.