دخلت مذبحة رابعة عامها الثاني عشر، دون تحقيق العدالة لآلاف الضحايا الذين سقطوا في العملية العسكرية التي حدثت في 14 أغسطس 2013، حيث قامت قوات الشرطة والجيش بالهجوم على ميداني رابعة العدوية والنهضة لفض اعتصامات المعارضين لانقلاب الثالث من يوليو 2013 ، ودون تقديم أي من المسئولين عن هذه المجزرة إلى المحاكمة الجنائية، رغم تكليف "لجنة قومية لتقصي الحقائق" في الأحداث، لم تنشر حتى الآن تفاصيل تقريرها التي قدمته للعميل الصهيوني قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في 23 نوفمبر2014، ولم تكشف إلا عن ملخص تنفيذي له في مؤتمر صحفي روجت وسائل الإعلام المقربة من نظام الانقلاب بعضَ تفاصيله التي تدين المعتصمين.

وأعلن نظام الانقلاب وقتها، أن العميل الصهيوني تسلم التقرير النهائي للجنة، ووجه بإحالته إلى مجلس الوزراء لدراسته وإرساله إلى كافة الجهات المعنية والقضائية المختصة لاتخاذ اللازم في ما جاء بالتقرير من وقائع، دون اتخاذ مزيد من الإجراءات، حتى توفي رئيس اللجنة فؤاد رياض في يناير 2020، وكان آخر ما كتبه على حسابه في موقع فيسبوك أن تقرير اللجنة "لا يزال طي الكتمان".

وعلى الرغم من عدم نشر تفاصيل تقرير اللجنة التي تشكلت بقرار جمهوري وبمشاركة وزير العدل السابق المستشار عمر مروان والمدير الحالي لمكتب السيسي ، وتسلمها قائد الانقلاب منذ 2014، إلا أن ما تسرب من ذلك التقرير يؤكد على خمس حقائق رئيسية، وفق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي: استخدام الذخيرة الحية بشكل عشوائي وغير متناسب، واستبعاد بدائل الفض بخسائر بشرية أقل على أساس حجج واهية، ورغم وجود بدائل أخرى، وأن غالبية القتلى من المعتصمين السلميين ومن المدنيين الأبرياء، وأن "الممر الآمن" لم يكن ممراً ولا آمناً، وضرورة تشكيل لجنة قضائية للتحقيق واستدعاء الشهود ممن عاصروا هذه الأحداث ومن المسئولين عنها، وهو ما لم يحدث حتى اليوم.

ولم تكن "اللجنة القومية لتقصي الحقائق في أحداث 30 يونيو" الجهة الرسمية الوحيدة التي تناولت بالتقصي أحداث فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، حيث أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان في السادس من مارس 2014 تقريره الكامل عن أحداث الفض أيضاً. وجاء في تقرير المجلس أن "بعض المتظاهرين كانوا مسلحين وقاوموا قوات الأمن، ما اضطرها إلى استخدام القوة القاتلة"، لكنه أكد أن هناك ما وصفه بـ"انعدام التناسبية" واستخدام مفرط للقوة من قبل الأمن.

وذكر التقرير أن عدد الضحايا هو 632 قتيلا، منهم 624 مدنيا وثمانية أفراد من الشرطة، مؤكدا أن قوات الأمن لم تقم بتأمين "ممر آمن" لخروج المتظاهرين الراغبين في المغادرة، ولم تسعف الجرحى. ودعا المجلس إلى إجراء تحقيق قضائي مستقل، لم يجر أيضاً حتى الآن.

وبينما وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش ما حدث في "مذبحة رابعة" بأنه على الأرجح "جرائم ضد الإنسانية وأخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث"، ووثقت مقتل ما بين 904 و1000 شخص، منهم 817 في ميدان رابعة، و87 في ميدان النهضة، نفت حكومة الانقلاب ومنظمات حقوق الإنسان المحلية هذا التقرير ووصفته بأنه مسيس، وقدم محمد البرادعي استقالته احتجاجا على الأحداث.

وبحسب المنظمة، فقد فتحت الشرطة وقوات الجيش النار بشكل ممنهج باستخدام الذخيرة الحية على المحتجين المعارضين لعزل القوات المسلحة للرئيس محمد مرسي.

وبعد مرور 11 عاماً على "مذبحة رابعة"، لم يتم تقديم أي مسئول حكومي سواء عسكري أو مدني إلى المحاكمة، بل على العكس فقد حوكم المئات من المعتصمين في محاكمات غابت عنها معايير النزاهة القضائية بشهادة العديد من المنظمات الحقوقية، التي رأت أن محاكمة هؤلاء جاءت إمعاناً من الحكومة في الهروب إلى الأمام والتنصل من المسئولية، حيث أصرت على اعتبار المعتصمين كأنهم جناة تسببوا في سقوط مئات القتلى والمصابين.

ويرى حقوقيون ومحامون أنه على الرغم من تعمد الحكومة المصرية إخفاء الجرائم التي وقعت في "مذبحة رابعة"، وعدم تقديم جندي واحد للمحاكمة، إلا أن هذه الجرائم تعتبر "جرائم ضد الإنسانية" ولا تسقط بالتقادم، ولذلك تستخدم الحكومة كل السبل القمعية لمنع تحقيق العدالة ومنع أي تحرك من القوى المعارضة لها، حتى لا تتم المحاسبة عن هذه الجرائم. وتعدد المنظمات الحقوقية القضايا التي تعتبرها لا تسقط بالتقادم، مثل قضايا "مجزرة اعتصام رابعة"، و"مذبحة الحرس الجمهوري"، و"مذبحة مسجد القائد إبراهيم".

وبرغم آلاف الشكاوى التي وصلت للنائب العام وللقضاء من ذوي ضحايا رابعة العدوية والنهضة وغيرها، إلا أن الجهاز القضائي المصري تجاهلها جميعاً. وتعتقد بعض منظمات حقوق الإنسان التي وثقت مختلف تلك الجرائم، أنه مع تجاهل نظام الانقلاب التحقيق في هذه الجرائم ومحاسبة المسئولين عنها، ومع عدم وجود أي فرصة لأن تحاكم السلطات نفسها، فإنه لا بد من إقامة قضايا دولية سعياً لمحاكمة السلطة المصرية المسئولة عن سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا.