ممدوح الولي

يظل السؤال الرئيس المطروح على الساحة الآن: وماذا بعد الهدنة المؤقتة؟ حيث يتوقع البعض امتدادا قصيرا لها، لكن ذلك مرهون حسب التصريحات الإسرائيلية بإفراج المقاومة عن عشرة أسرى مقابل كل يوم واحد، بينما تتوقع أعداد أقل من الخبراء باستمرار تجديد الهدنة أكثر من مرة حتى تتحول إلى وقف دائم لإطلاق النار، كما حدث في اليمن.

لكن أعدادا أكبر تتوقع عودة القصف الإسرائيلي مرة أخرى حتى ولو تم مد الهدنة لفترة قصيرة أخرى، وهو ما يرتبط بعدم تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها الحكومة الإسرائيلية وأبرزها تصفية المقاومة، والتي رددتها أيضا الإدارة الأمريكية، مما يدفع الإدارة الأمريكية ومعها معظم الدول الغربية، لمنح إسرائيل فترة زمنية إضافية لتحقيق أهدافها، خاصة أن الهدف المشترك لإسرائيل والدول الغربية لا يتعلق بالقضاء على حماس فقط، وإنما يمتد من خلال إنهاء حماس إلى محو القضية الفلسطينية، وكذلك إجهاض أية تجربة تحررية في المنطقة، وقتل أي أمل لدى الشعوب في إحداث التغيير المنشود الذي يحقق مصالحها الوطنية.

وتزداد التوقعات لذلك النهج لأن وقف الحرب يعني بدء عملية مساءلة رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الدفاع عن إخفاقهما خلال عملية طوفان الأقصى، وبالتالي فإن من مصلحتهما إطالة مدة الحرب فربما يتم تحقيق نتائج تعفيهما من المساءلة.

الحكام العرب هم القبة الحديدية الحقيقية

سيقول البعض إن هذا النهج لا يتسق مع التكاليف التي يدفعها الاقتصاد الإسرائيلي والتعطل الجزئي له، ومطالبات أسر الأسرى بإعطاء أولوية للإفراج عنهم، لكن هذا أمر مردود عليه بالسماح لعدد من جنود الاحتياط بالعودة إلى حياتهم المدنية، والاحتياطي الكبير من العملات الأجنبية في البنك المركزي، الذي بلغ بعد انخفاضه 191 مليار دولار في نهاية الشهر الماضي، والذي مكنه من الدفاع عن سعر صرف الشيكل الإسرائيلي، بينما بلغ الدين الخارجى حتى منتصف العام الحالي 156 مليار دولار، وتبلغ الأقساط المستحقة منه خلال العام الحالي 31 مليار دولار، إلى جانب ما حققته الهدنة من الإفراج عن عدد من الأسرى.

أيضا المساندة الأمريكية والأوروبية بل والعربية، حيث ساهم العديد من حكام العرب في حصار سكان غزة، حيث لم تدخل بعض المساعدات الغذائية إلا بعد أسبوعين من بدء الحرب ومنع الغذاء والدواء والكهرباء عنهم من قبل إسرائيل، كما لم يدخل لهم الوقود سوى بكميات محدودة بعد 39 يوما من بدء الحرب، حتى لجأوا إلى إشعال الحطب لإعداد المتبقي من الطعام، وبمرور الوقت أصبح من المتعذر وجود أي حطب جاف لاستخدامه في إعداد الطعام أو التدفئة.

وكان بعض رواد منصات التواصل الاجتماعي قد ذكروا أن القبة الحديدية الحقيقية لإسرائيل هي الحكام العرب، الذين يتظاهرون بالتعاطف مع القضية الفلسطينية من خلال إرسال بعض المساعدات، والتي يعرفون أنها لن تصل إلى سكان غزة، أو يعرضون استقبال من تسمح لهم إسرائيل بالخروج للعلاج من المصابين، تستوي في ذلك مواقف حكام السعودية أو الإمارات أو البحرين أو المغرب أو مصر وغيرها، بينما تقود وسائل إعلامهم حربا نفسية ممنهجة ضد المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، مع التركيز على مشاهد الدمار والقتل والتهوين بصمود المقاومة، وإطلاق بعض نخبتهم تصورات انهزامية عن مستقبل غزة بعد الحرب تستبعد خلالها وجود حماس، إلى جانب منع شعوبهم من التعبير عن تعاطفهم مع فلسطين من خلال المظاهرات أو حتى أداء صلاة الغائب على شهداءها، ويتجاهل هؤلاء ما قدمته الشعوب من تضحيات للحصول على استقلالها، سواء في الجزائر أو فيتنام أو أفغانستان أو غيرها، ومثلما حدث في مدينة بورسعيد المصرية التي دُمرت تماما في حرب 1956، أو التدمير الذي لحق بمدينة السويس المصرية خلال حرب 1973.

استمرار صمت الغرب على قمع المعارضين

ويتظاهر بعض هؤلاء الحكام وتابعوهم بالسعي لتحقيق وقف إطلاق النار، من خلال الاتصالات التي تتم مع قيادات دول أخرى أو استقبال بعض هؤلاء، وهو ما يذكرنا بما حدث خلال الفترة الأولى لسجن الرئيس محمد مرسى، ومجيء بعض الرسميين الغربيين لمصر ومنهم مبعوثة الاتحاد الأوروبي ووزيرة الخارجية الأمريكية، واللتان قامتا بمقابلة الرئيس مرسي في محبسه.

وكان الكثيرون يظنون أنهما تسعيان للوصول إلى حل للأزمة، بينما تبين أنهما جاءتا للضغط على الرئيس مرسي للتنازل عن الحكم، وهو ما يجعل الكثيرين يتشككون في الأغراض الحقيقية لحضور مسئولي الدول الغربية المساندة لإسرائيل إلى الدول العربية والاتصالات معها.

ولم يكن الأمر يحتاج لدعوة الجنرال المصري إلى إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح للدلالة على موقفه المعاكس لطموحات الشعب الفلسطيني، ولا حتى دعوته السابقة لتهجير سكان غزة إلى صحراء النقب، فموقفه من المقاومة الفلسطينية واضح منذ تولى الجيش السلطة في منتصف عام 2013، سواء بتفجير الأنفاق التي يتنفس من خلالها سكان غزة المُحاصرون منذ عام 2005، أو تدمير المساكن المجاورة لمعبر رفح لمسافات كبيرة حتى يصعب إقامة أنفاق جديدة، مع كثرة إغلاق معبر رفح حتى أصبحت فترات فتحه هي الأقل.

ربما يعول البعض على إعادة الدول الغربية حساباتها، من خلال النظر إلى مصالحها مع الدول العربية والإسلامية، لكنني أرى أنها لن تنحو هذا المنحى لأنها تدرك أن الحكام الحاليين يحققون لها مصالحها، ويشاركونها العداء لحماس والمقاومة التي كشفت تخاذلهم أمام شعوبهم، كما أنها تعرف أن تلك الشعوب مُحاصرة بالاعتقال والتعذيب والقتل، ولهذا فإنها ستواصل سياستها بإطلاق يد هؤلاء الحكام في المزيد القهر لشعوبهم واستمرار المعتقلين داخل سجونهم.

ميناء ومطار غزة يفكان الحصار

وهكذا نحن أمام مؤامرة دولية كبرى تسعى لاستمرار إخضاع شعوب المنطقة للأهداف الغربية، بينما مسار المقاومة أثبت فاعليته، وكشف زيف القوة الإسرائيلية وزيف دعاوى حقوق الإنسان والحريات والمساواة التي يطنطن بها الغرب، ليصبح السؤال الرئيس حاليا: سواء امتدت الهدنة أم لم تمتد، كيف يمكن تقوية المقاومة على مختلف الجبهات، خاصة وأن الصراع ممتد ولن يتوقف بوقف إطلاق النار؟

ومن الضروري تنحية الخلافات المذهبية جانبا، حيث كان لإيران نصيب كبير في دعم المقاومة الفلسطينية، مع السعي لتعويضها عن جانب مما فقدته طوال الخمسين يوما الماضية.

وأن تكون أهدافنا مبنية على ما تحقق من مستجدات لما بعد طوفان الأقصى، لتستمر المقاومة بكامل معداتها ومنشآتها، ولتصبح المطالب الفلسطينية -دون وصاية من دول عربية أو إسلامية- شاملة لفك الحصار على سكان فلسطين، وتحقيق ما جاء به اتفاق أوسلو عام 1993 الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية، من وجود ميناء فلسطيني خاص بغزة، وإعادة تشغيل مطار ياسر عرفات بغزة، لتتعامل مع دول العالم دون حاجة للمعابر الإسرائيلية أو المصرية، وتنفيذ الممر الآمن لحركة الركاب والشاحنات بين غزة والضفة الغربية، وحرية دخول وخروج الأموال للمناطق الفلسطينية، حتى تتاح لشعوب العالم المؤيدة للحق الفلسطيني المساهمة في إعادة الإعمار، وزيارتها والاستثمار والسياحة بها والتعامل معها تجاريا وخدميا.

وكذلك السعي من خلال الجهات الدولية القانونية والسياسية، لدفع إسرائيل لتحمّل جانب من تكلفة إعادة الإعمار فيي غزة والضفة الغربية حتى وإن لم يتحقق ذلك عمليا.