تمتع الإمام البنا بصفات شخصية قلما تجتمع في إنسان واحد ، وقد أهلته هذه الصفات الشخصية والمواهب التي حباه الله بها لأن يصبح الداعي الأول في القرن العشرين ، ومؤسسًا وقائداً لأكبر حركة إسلامية على مستوى العالم ، وهي حركة الإخوان المسلمين ، فقد حباه الله بجسد قوي يتحمل الشدائد والمصاعب فضلا عن ذاكرة حديدية تحتفظ بالمعلومات والأسماء بطريقة عجيبة ، وسرعة بديهية وسعة أفق ، وقدرة على تحليل الأحداث واستخلاص النتائج التي قلما تخطيء ، فقد كان رحمه الله عليمًا بعصره فقيهًا في حركته ذا حكمة ودهاء ، وكان رحمه الله زاهداً في العيش مع القدرة على الكسب ، متواضعًا في غير ذلة، معتزاً بنفسه وبدعوته من غير كبر ، يحب إخوانه ويألفهم ويألفونه .
وكان الإمام البنا يقدم دعوته على غيرها من الأشياء ، يقدمها علي راحته ويقدمها على أولاده ، فقد عاش بالدعوة وللدعوة ، وقد امتلك الإمام البنا قوة روحية هائلة وإرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ، وعزيمة ماضية لا تنثني .
ولندع الحديث حول هذا المعنى لمن رافق الإمام الشهيد – رحمه الله – حيث عاش حركته الدائبة في الدعوة إلي الله لا يفتر عن ذلك أبداً ، يقول الأستاذ محمد عبد الحميد وهو من الرعيل الأول : " إن من أبرز سمات شخصية الإمام الشهيد روح " الحركة " في طبيعته وطاقة العمل الضخمة في أعصابه ودمه .
كان شخصية عجيبة فذة حقًا ، هي روح وعقل وجسد ، روح : هي شعلة سماوية تتوهج بالحرارة والضياء !! وعقل : هو ميزان محكم لا يميل ولا يضطرب على كثرة الأحداث وهول المشاكل !! ، وجسم هو أداة طيعة لهذه القوى الكبيرة والمعاني القدسية العالية !! .
كان شخصية متحركة لا تقف ولا تسكن ، كأنه فلك إنساني يدور مع الكواكب يعمل ويوجه ويعد وينظم وينتج في لحظات ما يقصر عنه غيره في شهور وسنوات ، كان يركض إلى الله حين يمشي العاملون ، ويثب إليه حين يركض المخلصون ، ويطير إليه حيث يثب المصلحون ، كان يتأسى بالرسول صلي الله عليه وسلم في جهاده الدائم حتى كان من أوصافه :" ليست له راحة "
تبهرك أعصاب فذة كأنها كهربائية ، نسيج وحده لا يخضع لمؤثرات المادة وقوانينها في الطاقات والمواقيت ، سهر دائم وفكر عامل ثاقب وسلسلة لا تنقطع حلقاتها في الفكر والعلم والإعداد والتوجيه ، وأسفار حتى تغلغل في أعماق الكفور والنجوع وبين العشائر والقبائل ، فكان الزعيم الحق الذي جلس على التراب وخالط لأول مرة طبقات الشعب في حياتهم وأحس آلامهم ومشاكلهم !! .
كان يختزل الحياة اختزالاً كأنما كان يسابق الأفلاك في دورانها ، خطواته خطوات العماليق ، وجهاده جهود أمة كاملة لا فرد محدود ، كأنه علم أن حياته أقصر من دعوته الشاملة فحرص على أن يكون لدعوته من أسباب القوة ، ويحوطها بأضخم ما يستطيع من أسوار ، ويجهزها بأعظم ما يقدر من العدة والذخائر ، ولما رأى أن مشاكل المجتمع فوق ساعاته المحدودة وحياته القصيرة جعل شعاره تلك الكلمة المأثورة " الواجبات أكثر من الأوقات " .
كان سمته " الحركة الدائمة " والعمل السريع وكان يدافع إلى تكاليف الحياة ومطالبها في هيام وغرام ليس لهما مثيل ، وهو خلال ذلك ينتج إنتاجًا ضخمًا هائلاً رغم المسارعة في غير زلل أو عثار ، بل كانت سرعته يتوجها التوفيق وحركاته المتلاحقة يزينها الإحكام !! .
كانت همته فوق قدرته ، وقدرته فوق التعب والزمن ، يتسامي فوق الطاقة البشرية ، وأعماله الضخمة الموفقة أشبه بكرامات الأولياء منها بجهود العباقرة ، عزيمة تتضاءل دونها العزائم ، وهمة لا تبلغها العصبة أولو القوة إلا بروح من الله ورضوان !!
فحق لنا في هذا الجزء من هذه الصفات نلقي عليها الضوء من خلال بعض جوانب شخصيته وهي جديرة حقاً بالتأمل والدراسة .
منقول بتصرف من كتاب - أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين – للأستاذ- جمعة أمين عبدالعزيز رحمة الله عليه