قال موقع المونيتور الأمريكي إنه مع اشتغال الأسعار في الأسواق وزيادة   التضخم بصورة غير مسبوقة، وسط مؤشرات على تصاعد تأثر البلاد بالأزمة الاقتصادية. أصبحت الأمهات يتحدثن إلى أنفسهن في الأسواق.

ولفت الموقع في تقرير به أنه مع مرور الوقت يتضاءل الأموال لدى كثير من الأسر، تدهور قدرتها على شراء السلع أما اللحوم فلا تقترب عليها.

ويتساءل النساء في التقرير: "ما هذه الأسعار؟ لا نستطيع تحمل هذا".. بهذه الكلمات عبرت الأم "حنان حسين" عن حالة ملايين من قريناتها في مصر إزاء زيادة التضخم بصورة غير مسبوقة، وسط مؤشرات على تفاقم الأزمة الاقتصادية.

فمع مرور كل يوم، يتضاءل المال في محفظة "حنان" أكثر فأكثر، وتدهور قدرتها على شراء السلع في سوق الخضروات المزدحم في حي إمبابة المكتظ بالسكان في محافظة الجيزة بالقاهرة الكبرى، أما سوق اللحوم فتمر عليه دون أن تلتفت لمعروضاته.

و"حنان" أم لطفلين، وفي أوائل الخمسينيات من عمرها، وأصبحت أسعار المواد الغذائية الموضوعة على العربات أو على الطاولات الخشبية مثار أزمة لها، تدفعها أحيانا إلى التحدث مع نفسها، قائلة: "بيع الطماطم مقابل 10 جنيهات للكيلو، والبطاطس مقابل 12 جنيهاً، والكوسة مقابل 15 جنيهاً والأرز مقابل 19 جنيهاً".

وعندما تصل إلى نهاية السوق، تعود "حنان" إلى الوراء ثانية وتبدأ رحلة جديدة عبر الخضروات والفاكهة المعروضة، على أمل العثور على شيء يمكنها شراؤه بما تملكه من مال.

تقول "حنان": "أنظر إلى جميع العناصر الموجودة في قائمة التسوق الخاصة بي، ولكن يبدو أنني لا أستطيع شراء أي منها".

وتعبر حالة هذه الأم المصرية عن 68% من المصريين الذين يشعرون بالقلق بشأن قدرتهم على الحصول على الغذاء في الأشهر المقبلة، حسب استطلاع أجراه "المونيتور" في يناير الجاري.

وبحسب المنتدى الاقتصادي العالمي فإن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية لم تؤثر على قطاع السياحة المصري بحرمانه من مليارات الدولارات فحسب، إذ يشكل الروس والأوكرانيون ثلث السياح الوافدين إليها سنويًا، بل بدفع مصر نحو دفع المزيد من المال مقابل وارداتها، خاصة الحبوب، مثل القمح والذرة، حيث تعد روسيا وأوكرانيا المصدران الرئيسيان لها.

كما تُترجم الاضطرابات الناجمة عن الحرب إلى ارتفاع بأسعار متطلبات الإنتاج الصناعي والزراعي في بلد يعتمد فيه الإنتاج على الاستيراد بالأساس، ولذا يشعر المصريون بالضيق ، مع ارتفاع الأسعار في المتاجر والأسواق في جميع أنحاء البلاد.

وإزاء ذلك، توقفت "حنان" عن شراء الأسماك والدجاج واللحوم وتوابل المائدة، من بين أشياء أخرى، والأمر ذاته اضطر له "علاء ممدوح"، وهو موظف حكومي في منتصف الثلاثينيات من عمره ولديه طفل واحد.

ومثل الكثير من المصريين، قرر "ممدوح" أن يعمل بوظيفة إضافية لزيادة دخله، ومع ذلك، لا توفر كلا الوظيفتين له ما يزيد على 4000 جنيه مصري (أقل من 133 دولارًا)، ولا يمكنه تلبية احتياجات بيته.

قال ممدوح لـ "المونيتور": "لا أعرف ماذا أفعل (..) الناس مثلي لا يستطيعون الاستمرار مع أسعار المواد الغذائية على افتراض ارتفاعات جديدة كل يوم".

ويشتكي مصريون آخرون من تضاؤل دخلهم بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ويكمن التضخم وراء معاناتهم، حيث بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق، ما يهدد برد فعل سياسي وأمني عنيف.

ودفعت مخاوف قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي من رد فعل كهذا إلى محاولةطمأنة الجمهور بأن "الأمور ستكون على ما يرام"، وذلك إثر دخوله كنيسة كبيرة بالعاصمة الإدارية الجديدة في 6 يناير الجاري، مضيفا: "أعلم أن بعض الناس قلقون (..) لكن عليكم أن تتأكدوا أن الله لن يخذلنا".

وبعد يومين، طلب "السيسي" من المصريين عدم الانصياع لـ "خطاب الجهل" الذي يروجه أولئك الذين ينشرون الخوف بشأن الظروف الاقتصادية، قائلا: "لم ندخل حروبا ولم نبدد ثروات بلادنا".

وأثناء حديث "السيسي"، استمر الجنيه المصري في فقدان قيمته مقابل الدولار الأمريكي، عملة الاستيراد الرئيسية في البلد، حتى بلغ بسعر 30 جنيهًا للدولار.

واضطرت مصر إلى خفض قيمة عملتها الوطنية مرتين منذ فبراير 2022، وألغت نظام سعر الصرف المُدار قبل أيام قليلة في ضوء اتفاق مع صندوق النقد الدولي، كجزء من إجراءات أخرى ستشمل أيضًا إلغاء دعم الطاقة وانسحاب الدولة من الأنشطة الاقتصادية.

لكن ضعف الجنيه يضعف القوة الشرائية للملايين من أمثال "حنان" و"ممدوح" ويؤثر على أعمال الناس مثل بائع السمك "أحمد حمدي"، الذي كان يجلس خارج متجره في نفس السوق بإمبابة، حيث تدفع أسعار الأسماك المارة إلى النفور من الشراء.

قال "حمدي" لـ "المونيتور": "يأتي الناس إلى هنا فقط ليسألوا عن الأسعار ، لكن لا أحد يشتري أي شيء"، وأشار إلى أن بعض زملائه التجار أغلقوا متاجرهم بسبب انخفاض المبيعات وتصاعد الخسائر، مضيفا: "قد أفعل الشيء نفسه إذا ساءت الأمور".

للحد من حدة الانكماش الاقتصادي، أعلنت حكومة الانقلاب عن فتح عشرات المنافذ التي تباع فيها المواد الغذائية بأسعار مخفضة، كما زادت من دعم المواد الغذائية لعشرات الملايين من الأشخاص المسجلين في نظام الحصص الغذائية الوطني، وفقًا لصحيفة "ديلي نيوز إيجيبت".

ورغم ذلك، يؤكد عديد الاقتصاديين أن هذه الجهود لن تؤتي ثمارها دون التحكم المناسب في السوق، ومنهم مدير مركز كابيتال للدراسات الاقتصادية "خالد الشافعي"،

هذه الأوضاع تترك "حنان" و"ممدوح" وغيرهم في طي النسيان، إذ يواجهون كل يوم سؤالا ملغزا: "كيف يوفقون بين القليل من المال في حقيبتهم واحتياجات أسرتهم؟"، تجيب "حنان": "إنه اختبار متجدد كل يوم، وصعب، لكنني متأكدة من أن الله لن ينسانا".