بقلم: فضيلة المستشار حسن الهضيبي – رحمه الله

أيها الإخوان:

إن الله قد جعلكم جنودًا لقضية الحق والفضيلة والعزة في وطنكم وفي العالم الإسلامي كله، وإذا كان من واجب الجندي المخلص أن يكون مستعدًا دائما للقيام بواجبه في خوض المعركة، فإن من واجبكم أن تكونوا مستعدين دائما لما يؤدي بكم إلى النصر في ميادين الإصلاح والتحرير.

فزكوا أنفسكم وطهروا قلوبكم، وحاربوا أهواءكم وشهواتكم قبل أن تحاربوا أعداءكم، فإن من انهزم بينه وبين نفسه في ميدان الإصلاح أعجز من أن ينتصر على عدوه في معركة السلاح، وكونوا مثلًا حيًا بأقوالكم للأخلاق القرآنية؛ حتى يعرفكم الناس بأخلاقكم قبل أن يعرفوكم بأقوالكم.

إن دعوة الإخوان المسلمين ليست شيئاً جديداً، إنها الدين الخالص، الدين الذي ليس فيه كتب لمطالعتها ليلا ونهارًا ونرجع إليها، إنها قول بسيط جدًا:

لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، … .

إنها الأخلاق.

إنها الفطرة السليمة.

إنها شيء عملي نعمله كل يوم.

وقد نظرنا حولنا فوجدنا أن الإخوان المسلمين أوجدوا في البلد حياة، أوجدوا في البلد طائفة من الشباب استعدت بالروح وبالجسم وبالمال لافتداء الدين والوطن، ووجدنا أن هذه الفئة ثابتة لا تتكلم، لا تهتف باسم أحد، ولا تعظم شخصاً ولا تحيّي إنساناً، إنما تحيّي الله سبحانه وتعالى، تحيتهم هتاف لله سبحانه وتعالى، عاملين منيبين طيبين يتوجهون لله بالعمل الطيب، ويعملون في صمت وسكون، إلى أن أتت الأحداث فأثبتت أنهم جنود الله حقاً.

الدعوة الإسلامية دعوة تشمل الحياة كلها، تدخل على الإنسان، تغير من عقيدته كما غيرت عقيدة عبدة الأوثان وعبدة الناس، تدخل في قلوب الناس فتنير بصائرهم، تدخل في قلوب الناس فتريهم الحق حقا والباطل باطلا، تريهم الحق فيتبعونه، وتريهم الباطل فيجتنبونه، هذه هي دعوة الإخوان المسلمين التي نتحدث عنها، ونقيم هذا الاحتفال في الحقيقة لا لنقول لهم العام الهجري فحسب، إنما لنبين شيئاً من حقيقة دعوة الإخوان المسلمين، ولا أريد أن أطيل في هذا الأمر، إنما أريد أن نرجع إلى يوم الهجرة فقط لأعرض بعض اعتبارات نستفيدها من الهجرة.

فيا أيها الإخوان:

لا تظنوا كلامي لكم تملقاً، إن أمامكم الشيء الكثير الذي يجب أن تفعلوه، ولا تظنوا أن من انتسب إلى دعوة الإخوان المسلمين قد بلغ منها حظه حقاً، يجب على من يدخل الدعوة أن يهبها ويمنحها كل وقته وكل جهده وكل ماله وكل نفسه، فلا نكتفي بالحضور إلى الشعبة فيمكث الواحد فيها طول النهار، إنما يجب أن يمنح الدعوة كل وقته، وليس معنى كلامي الواحد يدور في الشوارع ينادي بدعوة الإخوان المسلمين، ولا أن ينصرف عن أعماله ولا يجعل له من سبيل إلا الكلام عن دعوة الإخوان المسلمين، ولكن أقول مع ذلك أنه يجب أن يمنح دعوة الإخوان كل وقته وكل جهده وكل ماله وكل نفسه، وذلك بأن يحقق في نفسه وفي عمله وفي سائر النشاط الذي يعمله في يومه معاني القرآن العظيم.

يجب أن يمنح الواحد هذه الدعوة وهذا الدين كل الوقت ليحقق المثل الأعلى الذي بينه القرآن، ونحن في هذا الطريق لنا مثل أعلى، وفينا من هو مثل أعلى، وفينا من يصلح وفينا من لا يطيق، ولكن كلنا يريد الوصول لله سبحانه وتعالى، وكلنا يريد الصعود إلى جبل. فمنا من يصل إلى القمة، ومنا من يصل إلى منتصف الجبل، ومنا من يظل في السفح، ومنا من يبدأ، لكننا جميعًا لنا وجهة واحدة هي وجهة الله (أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ).

والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

والله أكبر ولله الحمد