للعلماء والدعاة إلى الله تعالى دور عظيم في خدمة الإسلام، ذلك كونهم ورثة الأنبياء في التغيير والإصلاح، وصمام أمان للأمة والمجتمع من الوقوع في الزلل.

والشيخ سيد عسكر مارس العمل الإصلاحي في جميع أبوابه، فكان الشيخ الداعية فوق المنابر، كما كان القائم على خدمة مجتمعه وأمته حتى حظى بحب الناس؛ مما أهله لأن يصدع بكلمة الحق فوق منابر السياسة والعمل البرلماني، وفي سبيل ذلك أوذى كثيرا فصبر واحتسب ورضى بما قدره الله له حتى لاقى الله وهو على ذلك.

حياته

ولد الشيخ سيد عبد المقصود محمد عسكر في 2 يناير 1934م بقرية ميت الرخا التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية، مصر.

وكان لنشأته وسط أسرة متدينه أن سعى والده لالحاقه بالأزهر الشريف فحفظه القرآن صغيرا، مما أهله للالتحاق بالمعهد الأحمدي بطنطا، قبل أن يلتحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر ويحصل منها على الشهادة العالية عام 1959م، ثم حاز الشهادة العالمية مع إجازة التدريس بما يعادل الماجستير من الأزهر الشريف 1960م.

حياته العملية

بعدما تخرج من الجامعة عين في الأزهر الشريف حتى ترقى في المناصب وأشرف على الإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة والنشر، وأشرف أيضا على الإدارة العامة للمصحف والإدارة العامة للوافدين والإدارة العامة للبحوث.

أشرف علي العديد من الإدرات في الأزهر الشريف مثل:

    الإدارة العامة للبحوث والتأليف والترجمة والنشر.

    الإدارة العامة للمصحف.

    الإدارة العامة للوافدين.

    الإدارة العامة للبحوث.

كما عمل مديرا للدعوة والإعلام الديني بالأزهر من سنة 1992م إلى سنة 1996م، ثم وكيل وزارة الأوقاف، ثم الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية من سنة 1996 إلى سنة 1999م.

وعمل عضوا بالهيئة الاجتماعية لعلماء الوعظ، وعضوا باللجنة النقابية للعاملين بالأزهر، وعضوا مؤسسا في الجمعية التربوية الإسلامية بالغربية، ورئيس مجلس إدارة الجمعية التربوية الإسلامية بالغربية، وعضو جمعية الإعجاز العلمي بالقاهرة، وعضوا مؤسسا بجبهة علماء الأزهر ووكيل مجلس إدارتها.

ومثَل الأزهر الشريف تمثيلا مشرفا في اجتماعات بالجامعة العربية ونقابة الأطباء ونقابة المهندسين وفي مؤتمرات بجامعتي طنطا وعين شمس، والمجلس الأعلى للشباب والرياضة، وغيرها. وعمل رئيسا لتحرير مجلة "نور الإسلام" التي تصدرها الإدارة العامة للدعوة والإعلام الديني في الفترة التي عمل فيها مديرا لتلك الإدارة.

كما أختير وكيلا لبعثة الأزهر في لبنان سنة 1983-1984م، 1984-1985م، ثم رئيسًا لها سنة 1985-1986م. واختير أيضا مبعوثا للأزهر في أمريكا الشمالية في شهر رمضان لمدة تسع سنوات ابتداء من 1987م. ومثل الأزهر في مؤتمر الدعوة الإسلامية في كوالالمبور نائبا عن شيخ الأزهر في شهر فبراير 1993م.

عسكر والحركة الإسلامية

عاصر الشيخ جانبا من حياته في عهد النظام الملكي، والاحتلال الإنجليزي لمصر في صدر شبابه، وعاصر استبداد ضباط ثورة يوليو 1952 بالأمور، ورأى تنكيلهم بالإخوان المسلمين، وما شهدته مصر من مفاسد على أيديهم، مما دفعه للبحث عن الإخوان والانضمام لهم حتى صار أحد رموزها  حيث اختير عضوا في مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين.

وكان لعمله الدءوب لخدمة أبناء محافظته أن حملوه على أعناقهم إلى مقاعد البرلمان دورات متعددة. ترشح الشيخ عسكر لمجلس الشعب على قائمة التحالف الإسلامي 1987م وبالرغم من نجاحه إلا أن النتيجة زُورت في اليوم التالي.

وحينما أجريت الانتخابات في عام 2005م ترشح الشيخ عسكر وفاز بعضوية البرلمان عن الدائرة الأولى قسم شرطة طنطا محافظة الغربية، واستمر في البرلمان حتى نهاية انعقاد المجلس عام 2010، حيث ترشح ضمن عدد كبير من الإخوان غير أن الحزب الوطني البائد زور الانتخابات مما دفع المعارضة وعلى رأسهم الإخوان والوفد بالانسحاب من الانتخابات والتي كانت تمهيدا لثورة 25 يناير والتي شارك فيها الشيخ في كل مكان سواء في ميدان التحرير أو الميدان الأحمدي بطنطا.

وبعد الثورة كان عضوا ببرلمان الثورة 2012، وانتخب رئيسا للجنة الشئون الدينية به، قبل أن يحله المجلس العسكري بقرار من المحكمة الدستورية.

محنه

اعتقل "عسكر" عدة مرات في عهد المخلوع مبارك ومنها ما جرى عام 1995م حينما اعتقل ضمن العديد من قيادات الإخوان المسلمين في القضية رقم 1995/8 جنايات عسكرية، حتى فوجئ الجميع بتحويلهم إلى محاكمة عسكرية.

ويروي الدكتور إبراهيم الزعفراني أحد المواقف مع الشيخ أثناء المحاكمة بقوله:

"كنا معا فى السجن عام 1995 وهو العالم العامل المتعبد ذو الخلق الراقى والخطيب المتميز، الثابت رابط الجأش فى المحن.

وكنا عددا من الإخوان نحاكم أمام محكمة عسكرية وقبل خروجنا من السجن لترحيلنا لمقر المحكمة أصر ضباط الأمن أن يخلع الشيخ عمامته الازهرية وذلك حتى لا يسبب ظهور هذا الرجل الازهرى بزيه الرسمى أمام المحاكمة حرجا للنظام، خاصة أمام وسائل الإعلام العالمية التى توافدت إلى قاعة المحكمة لنقل وقائعها حيث إنها أول مرة يحال فيها مدنيون من الإخوان أمام محكمة عسكرية منذ ثلاثين عاما، ولكن الشيخ أصر وأيدناه جميعا على أن لا يذهب إلا وعليه عمامته وليفعلوا بنا ما بدا لهم.

وحين أدركنا أن الموقف قد تعقد لجأنا إلى حيلة فطلبنا من ضباط الأمن السماح لبعضنا بالعودة مع الشيخ للعنبر والاختلاء به فى محاولة لإقناعة بالتخلى عن العمامة، وبالفعل خلع الشيخ العمامة وقام أحدنا بإخفائها تحت ملابسه، وحين وصلنا إلى القاعة قام بارتدائها داخل قفص الاتهام بالمحكمة ولقد جذبت اهتمام الكثير من وسائل الإعلام الحاضرة، وكتبت عن هذا الشيخ الأزهري، وكيف يهان الرجل ويزج به فى قضية سياسية كهذه."

وفي شهر مايو عام 2005م، تم اعتقاله مع ما يزيد عن 16 من علماء الأزهر بسبب مشاركته في مظاهرة العلماء أمام مسجد المحافظة بطنطا احتجاجا على جريمة إهانة المصحف الشريف على يد الأمريكيين وظل في المعتقل حتى أفرج عنه مع ثلة من العلماء يوم 12 يونيو 2005م.

ولم ينته الأمر عند ذلك فعلى الرغم من كبر السن والمرض لم يشفع ذلك عند أنصار الانقلاب العسكري فقام بعضهم بحرق سيارته بطنطا في مارس 2014م بل حرق ممتلكات وسيارات كل رافضي الانقلاب العسكري.

وبعدها ظل الأمن يبحث عن الشيخ ويطارده في رغبة حميمة في اعتقاله طيلة ما يقرب من العشر سنوات حتى توفي الشيخ عن عمر ناهز 89 عاما وهو على ذلك مطارد.

فارس البرلمان

كان للشيخ صولات وجولات داخل البرلمان حتى في عهد دولة القهر (مبارك) حيث طالب بإعادة النظر في اتفاقية كامب ديفيد، وانتقاد بناء الجدار العازل على الحدود المصرية الفلسطينية، والمطالبة بإقالة وزير الأوقاف وإدانة أن يكون وكيل الأوقاف الأول لواء بالداخلية في 2005، والتصدي للمؤامرة على الأزهر وانتقاص ميزانيته، والتصدي للانتقاص من المناهج الأزهرية.

والتضامن مع مشكلات عمال طنطا انتقد غياب النزاهة والشفافية عند عقد بيع شركة الكتان بالغربية، وفضح نظام الخصخصة التي تقوم بها الحكومة، والمطالبة بإقالة الحكومة عام 2008م.

كما كان بمشاركة نائب الإخوان مصطفى عوض الله نائب الفيوم الفضل في وقف بيع شركة غزل الفيوم حيث أكد أكد الدكتور محمد محيي الدين وزير الاستثمار عام 2008م في رده على بيانين عاجلين للنائبين مصطفى عوض الله والشيخ سيد عسكر أنه لا توجد أي نية حكومية لبيع شركة مصر الوسطى ومصانعها بمحافظة الفيوم.

وقال: "لكِ الله يا مصر" إضراب أمس وإضراب أول أمس وغدًا وبعد غد، وإننا لا ندري إلى متى تستمر الأزمات؟!!، وقال عسكر إنني أتهم الحكومةَ بأنها لا تملك خطةً واعيةً لحل المشكلات؛ ولذلك فلا بد أن ترحل تلك الحكومة، خاصةً أن حكومةَ الحزب الوطني دائمًا ما تتصرف بطريقةٍ غريبةٍ في مواجهة المشكلات.

كما أدانت اللجنة الدينية بمجلس الشعب في اجتماعها الطارئ مساء الإثنين 20 نوفمبر 2006م، التصريحات المسيئة للإسلام والمسلمين والتي أدلى بها فاروق حسني وزير الثقافة، وطالبت اللجنة بمحاسبة كلٍّ من يمس التعاليم الإسلامية تحت زعم حرية الرأي، حيث شن الشيخ السيد عسكر هجوما عليه بسبب ما صدر منه.

مؤلفاته

نافح الشيخ سيد عسكر عن دينه بقلمه أيضا؛ فسطر العديد من المؤلفات التي تزينت بها المكتبات الإسلامية، وكانت من سبل المعرفة عند الناس، حتى بلغت 15 مؤلفًا في مجال الدعوة الإسلامية أبرزها:

    بستان الدعاة

    سبل الفلاح

    طريق النجاة

    آثار المعاصي والذنوب في هلاك الأفراد والشعوب

    صيحة الحق

    المختار من فضائل القرآن للإمام ابن كثير.

وفاته

ظل الشيخ سيد عسكر طوال مسيرة حياته عاملا لدينه، صادعا بالحق، متصديا للفساد، حتى ارتقت روحه إلى الله سبحانه يوم الجمعة 12 جمادى الآخرة 1444هـ الموافق 6 يناير 2023م.