الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عباده المصطفين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد، فإن المقصود من هذه السطور معرفة دعوتنا الربانية التي نعتز بها والتى ننتسب إليها، ونعيش لها، وندعو إليها، ونضحي من أجلها، ونتحمل الأذى في سبيلها، حتى يأتي موعود الله في الدنيا والآخرة.

من هم الربانيون؟

1- الربانيون هم أرباب العلم، واحدهم رباني، وهو الذي يربي العلم، ويربي الناس أي يصلحهم ويقوم بأمرهم؛ فالرباني يربي الناس بصغار العلم قبل كباره؛ فهو الذي لا يكتفي بالعلم بل يضم إليه التعليم.

2- والرباني هو العالم بربه الذي يعمل بعلمه، فإذا لم يعمل بعلمه ولم يقصد مرضاة ربه فقد خاب وخسر، وكان النبى ﷺ يتعوذ من «علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع».

3- والربانيون هم ولاة الأمة الذين يجمعون إلى العلم البصر بالسياسة العارفون بأخبار الأمة.

4- وهم الربانيون بحكم علمهم بالكتاب ومدارستهم له ومعرفة أحكامه وهم المصلحون (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَأمُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) الأعراف: 170

5- وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) المائدة: 63

6- والربانيون هم العلماء الراسخون في العلم والعباد الحكماء الأتقياء.

7- والرباني: منسوب إلى الرب والرب لغة: المالك والسيد والمنعم والمربي، والرب يطلق على الوالد المربى، يربي أولاده شيئًا فشيئا، فيقوم بسد حاجاتهم من طعام وشراب وكسوة، وكذا يعلمهم الأخلاق والآداب وأمور الحياة. فهذا المربي في الظاهر لكن المربي في الحقيقة هو الذي خلق ورزق وأمات وأحيا (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(81)) (الشعراء)، وهو الذي يؤدب أولياءه الربانيين ففي الحديث «أدبنى ربي فأحسن تأديبي»

الربانيون في معية الله

والربانى يعتمد على (رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) الأنعام: 164، فيسخر الله له كل شيء ويحفظه ويحميه وينصره وينجيه؛ فهذا إبراهيم عليه السلام حينما أراد قومه أن يحرقوه، قال رب النار ورب كل شيء (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَأمًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) الأنبياء: 69، وموسى عليه السلام سخر الله له طريقا في البحر يابسا وجاء فرعون ليمر منه حتى يلحق بموسى فأطبق عليه البحر وغرق فرعون (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ، وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ) طه: 78: 79، والنبى ﷺ تجتمع عليه قريش لتقتله فأخرجه الله من بين أيديهم وهم لا يبصرون، ونجاه الله ونصره، ومن هذا كثير وهكذا ينجي الله عباده المرسلين والمؤمنين (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ) يونس: 103

والله سبحانه يذهب عن عباده الربانيين الحزن ويسرى عنهم، ففي عام الحزن كان الإسراء والمعراج ليُرى عبده من الأيات الكبرى، وجاء جبريل إلى رسول الله ﷺ وهو جالس حزين فقال يا رسول الله هل تحب أن أريك آية؟ فقال: نعم، فنظر إلى شجرة من ورائه، فقال: أدع بها، فدعى بها فجاءت وقامت بن يديه، فقال: مرها فلترجع، فأمرها فرجعت، فقال رسول الله ﷺ: «حسبي حسبي»

دعوتنا الربانية

إن دعوتنا الربانية دعوة إسلامية ربانية، دعا بها وإليها جميع الرسل. والإمام البنا يؤكد هذا المعنى، ففي رسالة التعاليم يقول: «أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة»، ويقول في رسالة إلى أى شيء ندعو الناس؟: «وأي شرف أكبر وأعظم من أن ترى نفسك ربانيًا، بالله صلتك، إليه نسبتك»، ثم يعلن في المؤتمر الخامس: «ولست أعنى أن للإخوان المسلمين إسلامًا جديدا غير الإسلام الذي جاء به محمد ﷺ عن ربه»، وفي نفس الرسالة: «إن غاية الإخوان تنحصر في تكوين جيل جديد، من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة في كل مظاهر حياتها (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) البقرة: 138». والمقصود من ذلك أن هذه الدعوة دعوة خالصة ربانية وهي تنتمى إلى عقيدة أهل السنة والجماعة.

والدعوة الإسلامية هي التي تكفل الله بحفظها؛ فالقرآن العظيم كتب في عهد النبى ﷺ حيث كان يملي على كتاب الوحي، وكان النبى ﷺ يعرضه على جبريل عليه السلام وهو الروح الأمين، في كل عام، وفي العام الآخير عرضه على جبريل مرتين ولما توفي رسول الله ﷺ ترك القرآن مكتوبًا في السطور يحفظه 12 ألف صحابى.

فالشاهد أنه كتب في السطور بطريق التواتر، وحفظ في الصدور بطريق التواتر أيضا، وصدق الله العظيم، (إِنَّا نَحْنُ نـزلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر: 9.

وإذا كانت الدعوة الربانية قد حفظها الله فإنه كذلك يحفظ دعاتها ورجالها على مر الزمن، ففي الحديث «لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتى أمر الله وهم كذلك» ، وهذه الدعوة الربانية بهذا الإسناد حجة على بقية الدعوات.

وأن الله سبحانه وتعالى حذرنا من اتباع غير سبيل المؤمنين حتى لا نضل بعد هدى، وأن لا نتبع غير الصراط المستقيم الذي جاء به محمد ﷺ، (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، وكان النبى ﷺ حريصًا على أن تكون هذه الدعوة ربانية صافية نقية خالصة لا يشوبها تحريف أو تبديل، فكان يقول: «لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله». ورأى النبي ﷺ بيد عمر بن الخطاب ورقة من التوراه فقال: «لقد جئتكم بها بيضاء نقية، تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذى نفسى بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعنى».

وقال ﷺ «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه»، وفي الحديث: «ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله».، وفي الحديث «من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». وغير ذلك كثير وللحديث بقية مع الدعاة الربانين .