مع التراجع التدريجي لسعر الجنيه المصري أمام الدولار، زادت التكهنات باقتراب سلطات الانقلاب في مصر من السماح لعملتهم بانخفاض كبير، يقربهم من الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي.

وفي تقرير أصبح متكرراً خلال الأشهر الأخيرة، نقلت وكالة "بلومبيرج" عن محللي بنك الاستثمار "جولدمان ساكس" وصفهم لما يحدث لسعر الجنيه أمام الدولار بقطرات المياه التي تتسرب من الصنبور، مشيرةً إلى انخفاض العملة المصرية أمام الدولار بما يقرب من 6% من قيمتها، منذ التخفيض الكبير الذي أدركها قرب نهاية الربع الأول من العام.

وسبّب تراجع سعر الجنيه بصورة واضحة خلال الفترة الماضية زيادة التكهنات بحدوث انخفاض كبير، بذات القدر الذي حدث في ربيع العام الحالي أو أكثر، استجابة لطلبات صندوق النقد الدولي، الذي يفضل سياسة أكثر مرونة لسعر الصرف الرسمي في مصر.

وقبل أقل من شهر، قالت هالة السعيد، وزيرة التخطيط بحكومة الانقلاب: "نحن كحكومة نتفق على أن سعر الصرف المرن سيكون مفيداً بالتأكيد للاقتصاد". وكانت السعيد وقتها أول مسؤول حكومي يدعم علناً السماح بالمزيد من المرونة في سعر صرف الجنيه أمام الدولار، قبل أن يتبعها مسؤولون حاليون وسابقون، وإعلاميون محسوبون على النظام الحالي، في التوجه نفسه.

ونقلت الوكالة عن محللي بنك أبوظبي التجاري توقعهم تخفيض قيمة الجنيه بما يقرب من 15%، وصولاً إلى سعر يتجاوز 23 جنيهاً مقابل الدولار، بمجرد توصل مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وأشارت الوكالة إلى أن التقدير السابق للبنك كان من 21 إلى 22 جنيهاً مقابل الدولار، وكان ذلك قبل شهر تقريباً.

وفي الاتجاه نفسه، قدرت "بلومبيرج إيكونوميكس" أن الجنيه يحتاج إلى الضعف إلى 24.6 "لخفض العجز التجاري المصري إلى مستوى معقول".

وأوضحت "بلومبيرج" أن العملة المصرية تراجعت يوم الثلاثاء بنسبة 0.2% إلى 19.6822 في السوق الخارجية Offshore market، متجاوزة أدنى مستوى قياسي بلغ 19.6725 في ديسمبر من عام 2016، في أعقاب تعويم الجنيه المصري، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبيرج". وفقد الجنيه المصري وقتها ما يقرب من 60% من قيمته خلال أسابيع قليلة تلت قرار التعويم.

ونقلت الوكالة عن مسئول الاستثمار للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة "فرانكلين تمبليتون" للاستثمار تفضيله لـ"ضبط مؤثر ومبكر للعملة، أو وضع حدود أوسع لتحركها، لو استمروا في تطبيق سياسة التعويم المدار الحالية".

وقالت "بلومبيرج" إن الدعوات للتعجيل بخفض قيمة الجنيه تأتي على خلفية تقديرات عدة، تشير إلى تقويم الجنيه بأكثر من قيمته الحقيقية، "وهو ما لا يساعد الاقتصاد الذي يئن من ندرة العملة الأجنبية"، وفقاً للوكالة.

وحافظت حكومة الانقلاب على ثبات سعر الجنيه مقابل الدولار لأكثر من عامين، في نطاق 15.60 - 15.80، قبل التخفيض الذي حصل في شهر مارس الماضي، مستعينةً بمليارات الدولارات من الأموال الساخنة، التي جاءت للاستثمار في أدوات الدين المصرية، التي كانت تدفع وقتها أعلى عائد حقيقي في العالم.

ومع ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية مطلع العام الحالي، وتزايد المخاطر الجيوسياسية، هربت الأموال الساخنة من مصر، وهو ما سبّب أزمة كبيرة للحكومة المصرية، التي كانت تعتمد عليها في سد العجز في الحساب الجاري للبلاد.

وحرك البنك المركزي المصري سعر الدولار مقابل الجنيه في مارس الماضي ليصبح 18.25، قبل أن يبدأ الجنيه موجة الضعف التدريجي الحالية.

وقال اقتصاديو "بلومبيرج" إن السلطات النقدية في مصر قد تكون غير راغبة في إجراء تخفيض كبير للعملة المحلية خوفاً من تسببه في المزيد من التضخم، الذي اقترب من أعلى مستوياته في أربع سنوات، وهو ما يعني أنهم قد يخفضون قيمتها بأقل من القدر المطلوب.

وأضافوا: "يتمثل التحدي الذي يواجه مصر حالياً بكيفية استعادة ثقة المستثمرين العالميين، الذين تجنبوا شراء ديونها المحلية في الفترة الأخيرة، وسط توقعات بمزيد من الضعف للجنيه. ولجذب المشترين، اضطرت مصر إلى زيادة عوائد أذون الخزانة خلال الفترة الأخيرة بأكبر قدر منذ عام 2016".

واعتبر أدريان دوتوا، رئيس الأبحاث للأسواق الناشئة في "أليانس برنشتاين" للاستثمار، أن "تكوين ديون مصر وآليات الاستقرار المتاحة، بدءاً من دعم دول مجلس التعاون الخليجي إلى برنامج صندوق النقد الدولي المرتقب، هي بعض الديناميكيات التي يمكن أن تدعم فكرة الانخفاض التدريجي في قيمة الجنيه".

وتقول "بلومبيرج": "بينما يحاول صانعو السياسة الموازنة بين مطالب المستثمرين وخطر التسبب في مزيد من الألم الاقتصادي للمصريين، فإن الخطر يتمثل بحدوث تخفيض أكبر لقيمة العملة في المستقبل"، مضيفةً، على لسان مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري: "إن التأخير في إضعاف الجنيه المصري يعني أنّ من المرجح الآن أن يكون التعديل أكثر حدة. وفي رأينا، يجب أن يكون مصحوباً برفع كبير في معدلات الفائدة لترسيخ صدقية السياسة النقدية".