محمد عبد الرحمن صادق

إنَّ رباط العلاقة الزوجيَّة في الإسلام هو من أقدس وأوثَق ما وصَّى الله تعالى به المسلمين، والزواج في الشرع الحنيف مُقدم على أداء فريضة الحج بالنسبة للشباب الذين لم يسبق لهم الزواج، لذلك فالزواج من أصل الدين وليس مُجرد عُرف ولا مُجرد وسيلة لإفراغ الشهوة بل وسيلة للعفاف وتهذيب الشهوات وصيانة الأعراض.

ومن الملاحظ أنَّ الله تعالى قد سمَّى العلاقة بين الزوجين ﴿مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾، ولم لا، وهي العلاقة التي سيكون بين الزوجين فيها ما لا يطلع عليه أحد ولا ينبغي لأحد أن يطلع عليه، وما لا يعرفه سواهما ولا ينبغي لسواهما أن يعرفه، حتى لو لم تدم العشرة بينهما.

قال تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} [النساء:21].

ومن الملاحظ كذلك أنَّ العلاقة الزوجية قد أُطلق عليها الشرع الحنيف "علاقة نسب"، ولم لا؟ فالأنساب ستلتقي وتتقارب وتتوحَّد بمجرَّد إتمام الميثاق الغليظ.

ومن الملاحظ أيضًا أنَّ الشرع الحنيف قد سمَّى الصلة بين الزوجين "صلة مُصاهرة"، ولِم لا؟ والكيانان سيتم صهرهما ليكوِّنًا كيانًا واحدًا في بوتقة محفوفة بكل ما أوصى به الشرع.

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} [الفرقان:54].

ولكي نعطي الميثاق الغليظ حقه، وتقوى رابطة النسب، ويتم صهر الكيانين صهراً صحيحاً، هناك بعض الضوابط التي يجب على الزوجين مراعاتها جيداً للاستفادة من خبرات الآخرين، ولعدم تكرار جهد من المُمكن ادخاره، ولعدم المرور بمشكلات من المُمكن تلاشيها.

تنويه .. يجب على الزوج أن يعلم أنه أيضاً معني بكل الضوابط التي سيتم توجيهها للزوجة، كما يجب على الزوجة أن تعلم أنها أيضاً معنية بكل الضوابط التي سيتم توجيهها للزوج فكلاهما مسئول مسئولية تضامنية عن استقرار حياتهما الأسرية ولا يُعفى أحدهما من المسئولية إلا إذا تم إعفاء القلب من القيام بمسئوليته نحو باقي أعضاء الجسم.

أولاً: همسة أبوية في أذن الزوجة

ابنتي الغالية لا تكوني مثل مطاعم الوجبات السريعة التي يكون اهتمامها الأكبر باللون والطعم والرائحة على حساب الجودة والفائدة!!

في مطاعم الوجبات السريعة تتلاعب رائحة الطعام في أنف (الزبون) حتى تصل إلى أعماق (مُخِّه)، وتتراقص الألوان أمام عينيه حتى تخطف قلبه، ويُغريه الطعم حتى يسيل لعابه، إلا أن هذه الوجبات السريعة بكل ما لها من مواصفات لا تشبع ولا تسد جوعاً بل إن الإسراف في تناولها يسبب التخمة ويُمرض البدن فلا تعد تغريه رائحة ولا تجذبه ألوان ولا يستلذ بطعم.

ابنتي الغالية:

1- لا تفكري مثلما يفكر أصحاب مطاعم الوجبات السريعة التي تهتم بالشكل والمظهر على حساب الجوهر، فالزواج وجبة صحية كاملة الدسم، مكتملة الفائدة، متنوعة المذاق، لا تترك عضواً من أعضاء الجسم إلا وصلته وغذته وأشبعته!!

2- لا تكوني مثل المرأة التي تهتم بدرجة ألوان المساحيق على وجهها حتى وإن كانت على حساب ابتسامتها التي تخرجها بمواصفات ومقاسات محددة لا تتجاوزها!!

3- وتهتم بكثافة الرموش وطولها على حساب نظرات الحنان العميقة التي تأسر بها قلب زوجها!!

4- وتهتم بنضارة الشفتين إلا أنها تخرج من بين هاتين الشفتين كلمات أقسى من اللكمات!!

5- وتضع خطة لإعادة تشكيل قوامها ولا تضع خطة لاستقرار بيتها!!

6- اعلمي بنيتي أن كل هؤلاء النساء يَسِرْن في الاتجاه المعاكس ولا يجنين إلا العناء والشقاء!!

7- واعلمي أن هذا الطريق هو طريق السَّراب الذي ينتهي إلى لا شيء!!

8- واعلمي أن الزوج يحب من الزوجة عفويتها، ويعشق حنانها، وتأسره عمق نظراتها!!

9- واعلمي أن الزوج يريد الأنثى التي تتعامل معه بفطرتها دون تكلف، ودون حجب للمشاعر، ولا تهذيب للعوطف، ولا خوف من عواقب.

10- واعلمي أن الزوج يريد من زوجته أن تكون له زوجة، وأماً، وأختاً، وإبنة، وصديقة، ولا أبالغ إن قلت وعشيقة!!

11- واعلمي أن الزوج يريد من زوجته عقلاً راجحاً، وقلباً حانياً، ومشاعر جياشة، وحباً لا يتأثر بتقلب الأحوال!!

12- واعلمي أن الزوج ليس هو هذا المراهق الطائش الذي تجذبه المساحيق ويغريه القوام ويستغنى بالقالب عن القلب!!

13- واعلمي أن المودة والرحمة والسَّكن أمور معنوية من نجحت في امتلاكها فقد نجحت في امتلاك قلب زوجها وعقله ولو كان وحشاً كاسراً!!

14- واعلمي أن مسئوليتك نحو زوجك ليست بالهينة ولا بالسهلة ولكنها تحتاج إلى قناعة منك أن هذا هو لب دورك نحوه، وليس تفضلاً منك عليه، وقناعة منك أيضاً أن (كل مُسخَّر لما خُلِق له)، وأن الله لا يكلف عباده إلا بما يطيقون!!

15- واعلمي أن قيام الزوجة بكل ذلك لا يُقلل من شأنها ولا يقدح في تقواها والتزامها بل أن الزوجة التقية الورعة هي من تفهم أن طاعتها لزوجها مُقدَّمة على صيام النافلة، فلا تصوم الزوجة نافلة إلا بإذنه، ولا تتركه لقيام الليل إلا بعد أن تعلم أنه لا حاجة له إليها، وإن دعاها لحاجته فإجابته مقدمة على قيامها الليل!!

16- واعلمي أن كل ذلك ليس ندباً ولا مِنَّة من الزوجة على الزوج بل من أوجب واجباتها وأنها إن فهمت ذلك وأدَّته كما ينبغي فإنها في عبادة من أفضل العبادات، وأن أجرها موصول إلى أن تلقى ربها!!

17- واعلمي أن نظرة الإسلام للحياة الزوجية أعمق وأشمل من هذه النظرة السطحية التي يتعامل فيها الزوجان بندِّية، ويحاسب بعضهما البعض حساب الشريك الشحيح لشريكه.

18- واعلمي أن من أوجب واجباتك هو أن تتمكني من الوصول إلى شفرة قلب زوجك، حينها ستتربعي على عرش قلبه، ولن يرضى بنساء الأرض دونك بديلاً.

19- واعلمي أن كل ما سبق حُجَّة عليكما أمام الله تعالى فذرائع المعصية في هذا الجانب قد أحكم الشرع سدِّها، فلا إشاعة لبصر، ولا تفحش في الكلام، ولا تبسط واسترسال في الحديث مع أجنبي، فكل هذه الأمور تغضب الله تعالى وتجعل البيت يضيق بأهله، وتجعل هدوء البيت واستقراره في مهب الريح.

20- واعلمي أن كل ما سبق ليس دعوة للتبذل ولا لإهمال الزينة للزوج ولكن دعوة لترتيب الأولويات وأن الكماليات في هذا الشأن من أهم العوامل للنجاح في الأساسيات، ومن لا تفهم ذلك وتقدم الكماليات على حساب الأساسيات فإنما هي ومحلات الوجبات السريعة سواءً بسواء!!

إن ما يعين على تطبيق كل ما سبق هو استحضار نية الصلاح والإصلاح، وكثرة الدعاء بما ورد في القرآن الكريم من أدعية صلاح الأهل والذرية، وما يعين على تطبيق ذلك أيضاً هو جعل الشرع المرجعية الأولى لكل ما يطرأ على الحياة الزوجية حُلوه قبل مٌره وخيره قبل شره.

أخيراً أقول

هذه بعض معالم الطريق التي لا غنى عنها لأي زوجة مهما كان وضعها الاجتماعي ومهما كانت مكانتها العلمية والثقافية، وهذا يُوجب عليها الالتزام بها وملازمتها ملازمة السِّوار للمعصم.

ابنتي الحبيبة الغالية

قومي بوضع كل هذه النصائح في الاعتبار جنباً إلى جنب مع ما لديك من قيم ديننا الحنيف ومع ما تربيتي عليه من أعراف صحيحة ومبادئ سامية، وثقي أن كل ذلك سيضمن بإذن الله تعالى سلامة الوصول إلى بر الأمان في ظل أمواج الحياة العاتية والمتلاطمة، مع الأخذ في الاعتبار أن لكل سبَّاح قدراته ومهاراته وأدواته التي لو أحسن استغلالها لجعل من مصارعته لتقلبات الحياة وتغلبه عليها مُتعة ما بعدها مُتعة.

المصدر: بصائر