ممدوح الولي

كشفت بيانات وزارة المالية المصرية عن انخفاض إيرادات الموازنة بنسبة 38.5 في المائة عما ورد بقانون الموازنة للعام الحالي، مما أدى إلى خفض المصروفات بنسبة 15 في المائة، وترتب على ذلك ارتفاع العجز بالموازنة بنسبة 52 في المائة عما كان متوقعا.

وأشارت بيانات المصرف المركزي المصري إلى توسع الحكومة في الاقتراض من المصرف المركزي، رغم زيادتها لكمية طبع النقود خلال شهور العام الحالي، وارتفاع اقتراضها الخارجي حتى بلغ 137.860 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي.

ورغم تلك القروض الخارجية فقد تحول صافي أرصدة العملات الأجنبية في المصارف التجارية إلى تحقيق عجز خلال شهر يوليو الماضي، كآخر بيانات متاحة، كما أعلن جهاز الإحصاء الرسمي عن زيادة نسبة التضخم إلى 8 في المائة بشهر سبتمبر الماضي، وبلغت نسبة التضخم للطعام والشراب 13.1 في المائة.

وكانت بيانات وزارة المالية الخاصة بأداء أول شهرين في موازنة العام المالي الحالي 2021-2022، قد أشارت إلى انخفاض قيمة الإيرادات المتحققة بنسبة 38.5 في المائة عما كان متوقعا لها، وذلك نتيجة انخفاض الإيرادات الضريبية بنسبة 33 في المائة عن تقديرات الموازنة، وانخفاض الإيرادات غير الضريبية من أرباح الهيئات والشركات والمصارف المملوكة للحكومة بنسبة 52 في المائة، وانخفاض إيرادات المنح بنسبة 98 في المائة.

ونتيجة لذلك قامت وزارة المالية بخفض كل أبواب المصروفات بالموازنة عدا فوائد الديون التي اتجهت للزيادة، حيث انخفضت مصروفات الاستثمارات الحكومية بنسبة 58 في المائة عما كما مقررا لها، وشراء السلع والخدمات الخاصة بإدارة دولاب العمل الحكومي اليومي بنسبة 55 في المائة، ومخصصات الدعم السلعي والغذائي والخدمي بنسبة 30 في المائة، والأجور بنسبة 2 في المائة، والمصروفات الأخرى بنسبة 10 في المائة.

وكان مقررا أن تصل مصروفات فوائد الديون خلال الشهرين 96.6 مليار جنيه، لكنها وصلت إلى أكثر من 114 مليار جنيه بنمو 18 في المائة، وهو معدل لو استمر فستصل مخصصات فوائد الدين خلال العام المالي إلى 684 مليار جنيه، مقابل 580 مليار جنيه تمثل الرقم الوارد في قانون الموازنة.

الفوائد تقترب من نصف المصروفات

وبالنظر إلى التوزيع النسبي لأبواب المصروفات الستة في الموازنة المصرية خلال أول شهرين، فقد تصدرت فوائد الدين بنسبة 44 في المائة، والأجور 23 في المائة، والدعم 14 في المائة، والاستثمارات الحكومية 10 في المائة، وشراء السلع والخدمات 3 في المائة، والمصروفات الأخرى أقل من 7 في المائة.

وعندما يصل نصيب فوائد الدين 44 في المائة من المصروفات، فإن ذلك يغل يد صانع السياسة المالية عن الإنفاق على باقي أبواب المصروفات، كما يشير من ناحية أخرى إلى ارتفاع نصيب تكلفة الدين في الموازنة، عندما تضاف للفوائد أقساط الديون والتي لم تعلن وزارة المالية قيمتها خلال الشهرين.

وبينما كان متوقعا بلوغ العجز النقدى بالموازنة خلال الشهرين أقل من 79 مليار جنيه، كفرق بين المصروفات والإيرادات، فقد بلغ أكثر من 121 مليار جنيه، بنمو 54 في المائة، وهو معدل خطر تترتب عليه زيادة الدين العام الداخلي، والذي أحجم كل من المصرف المركزي ووزارة المالية عن إعلان بياناته منذ يونيو 2020، أي منذ أكثر من 13 شهرا حين كان وقتها أربعة تريليونات و742 مليار جنيه.

وأشار المصرف المركزي إلى ارتفاع الدين الخارجي إلى 137.86 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، بارتفاع 14.4 مليار دولار خلال عام بنسبة نمو 11.7 في المائة، إلا أن نسبة النمو زادت إلى 21 في المائة للقروض الخارجية التي حصلت عليها المصارف المصرية التجارية العامة والخاصة، وبنمو 19 في المائة للحكومة العامة من وزارات وهيئات.

ويشير التوزيع النسبي لقطاع الدين إلى استحواذ الحكومة العامة على نسبة 60 في المائة من مجمل الدين الخارجي، والمصرف المركزي على نسبة 19 في المائة، والمصارف 10 في المائة، والقطاعات الأخرى 11 في المائة.

وما زال الدين الخارجي في تزايد، حيث باعت الحكومة سندات دولاية في الخارج خلال شهر سبتمبر الماضي بقيمة ثلاثة مليارات دولار، كما اقترض بنك مصر، ثاني أكبر المصارف المصرية، مليار دولار. واستمرت الجهات المختلفة خاصة الحكومية في الاقتراض الخارجي خلال الشهور الأخيرة، وبما يعني تخطي الدين الخارجي حاجز الـ140 مليار دولار حاليا.

عجز بالنقد الأجنبي بالمصارف التجارية

ورغم توسع المصارف التجارية العامة والخاصة في الاقتراض الخارجي، حتى بلغت قيمة ديونها 14.4 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، فقد تحول صافي أصول تلك المصارف من العملات الأجنبية إلى رصيد سالب في  يوليو الماضي بقيمة 1.632 مليار دولار، بعد أن كان صافي رصيدها بشهر فبراير الماضي 6.8 مليار دولار.

وهذا يعني وجود مشكلة في توافر العملات الأجنبية لتغطية النفقات الخارجية، والغريب أنه رغم هذا الرصيد السالب للعملات الأجنبية في المصارف التجارية، فلم يحدث أي تغير ملموس بسعر الصرف، وبما يؤكد أنه مقيد من خلال المصرف المركزي وليس حرا أو يخضع للعرض والطلب كما يدعي المسئولون المصريون.

كما كشف المصرف المركزي المصري عن زيادة مطلوبات المصرف المركزي من الحكومة، بنحو 105 مليارات جنيه خلال يوليو الماضي وحده، رغم أن زيادة مطلوبات المصرف من الحكومة كانت قد زادت خلال النصف الأول من العام الحالي بنحو 14.3 مليار جنيه، أي بمتوسط شهري 2.4 مليار جنيه.

وكان التوزيع النسبي للائتمان المحلي الممنوح من قبل المصارف المصرية التجارية والاستثمارية والمتخصصة، خلال شهر يوليو الماضي، قد أشار لبلوغ نصيب الحكومة 64.8 في المائة من الإجمالي، بخلاف نسبة 2.7 في المائة لشركات قطاع الأعمال العام التابعة للحكومة، بينما بلغ نصيب القطاع الخاص 22.1 في المائة، إلى جانب نسبة 10.3 في المائة للقطاع العائلي.

وفي يوليو حصلت الحكومة من الائتمان المصرفي المحلي على 6.6 مليار جنيه، بينما انخفضت أرصدة الائتمان المحلي الممنوح لكل من القطاع الخاص والعائلي خلال الشهر.

ورغم تلك الديون الخارجية والداخلية، فقد استمرت الحكومة في طبع النقود، حيث بلغت قيمة زيادة النقد المصدر في يوليو الماضي وحده 23 مليار جنيه. ويبدو كبر الرقم عندما نجد أن قيمة الزيادة في إصدار النقود خلال الإثني عشرا الممتدة من يوليو 2020 إلى الشهر ذاته من العام الحالي، قد بلغت 68.2 مليار جنيه، بمتوسط شهري 5.7 مليار جنيه.

التضخم أعلى بالريف

وإلى جانب ذلك، فقد استمرت الحكومة في الاقتراض الداخلى من خلال إصدار أذون وسندات الخزانة، حيث بلغت زيادة أرصدة أذون الخزانة 20.4 مليار جنيه في العام الممتد من يونيو 2020 إلى الشهر ذاته من العام الحالي، في ظل توجه الحكومة لإطالة مدة القروض الداخلية حسب البيان المالي لموازنة العام المالي الحالي الذي قدمته وزارة المالية للبرلمان، من خلال التوسع في إصدار السندات الأطول عمرا من ثلاثة إلى أكثر من ثلاثين عاما، في حين يتراوح عمر أذون الخزانة بين ثلاثة أشهر وحتى سنة، لكن المصرف المركزي أصبح لا يعلن أرقام مبيعات سندات الخزانة منذ عدة سنوات، ويكتفي بنشر بيانات مبيعات أذون الخزانة التي توسع الأجانب خلال الشهور الأخيرة في شرائها، بسبب ارتفاع سعر فائدتها الذي يتخطى نسبة 13 في المائة.

كما أنها مضمونة من الحكومة وأرباحها الرأسمالية معفاة من ضريبة الأرباح الرأسمالية، وذلك بالمقارنة بسعر فائدة سلبي في دول مثل سوسرا واليابان، وسعر فائدة صفر في المائة بدول اليورو، وواحد في الألف بإنجلترا و0.25 في المائة بالولايات المتحدة، ولهذا بلغت قيمة مبيعات أذون الخزانة للأجانب 23.8 مليار دولار حتى يوليو الماضي.

وأعلن جهاز الإحصاء المصري التابع لوزارة التخطيط ارتفاع نسبة التضخم إلى 8 في المائة، خلال سبتمبر الماضي، والتي ترتفع إلى 9.5 في المائة بالريف المصري الذي يعيش فيه 63 في المائة من السكان، كما بلغت نسبة التضخم للطعام 13.1 في المائة والتي ترتفع إلى 15.2 بالريف.

ورغم إعلان الجهاز أن نسبة التضخم في القطاع التعليمي قد بلغت 29.7 في المائة خلال نفس الشهر، إلا أن كثيرا من الخبراء وغالب المواطنين لا يثقون بتلك النسب الرسمية، ويرون أن نسبة التضخم الحقيقية التي يعانون منها في الأسواق أعلى من ذلك، رغم استمرار حالة الركود حتى سبتمبر حسب مؤشر مديرى المشتريات في الشركات الخاصة.