بقلم: عبده مصطفى دسوقي

كانت زيارة الإمام البنا للمملكة العربية السعودية في أول رحلة حج سنة 1354هـ/ 1936م بمثابة اتصال مباشر بالشعوب الخارجية وتعريفهم بمفاهيم الدعوة ومبادئها الصحيحة، وهي التي أجمع عليها وفود الدول التي شاركت في رحلة الحج في هذا العام، بعد أن شرح لهم الإمام البنا وسطية الإسلام أثناء المؤتمر الذي دعا إليه الملك عبد العزيز آل سعود، وفي هذا العام بايعه كثير من الأفراد من شتى البلاد العربية والإسلامية، وكان لسوريا ولبنان والأردن السبق في هذا المجال، حينما أخذت الدعوة تشقُّ طريقها لبلاد الشام.

ولقد بدأت علاقة الإخوان المسلمين بالأردن حينما ناصر الإخوان قضية الأردن ضد الاستعمار الإنجليزي واحتلاله لها، وناصر الإخوان الشعب الأردني في حقه في الاستقلال والحرية، وشجعوا كل بادرة تصبُّ في الوحدة والمصالح العربية. فقاموا بنشر أخبار الأردن ومطالبه في التحرر من الانتداب البريطاني، وحثّ إنجلترا على ذلك.

ولقد دخلت دعوة الإخوان المسلمين الأردن عام 1945م؛ حيث بدأت علاقة الحاج (عبد اللطيف أبو قورة) مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في الأردن إلى عام 1943م بعد إعجابه بهم ومبادئهم.

مولده

وُلد عبد اللطيف بن عبده بن صالح أبو قورة في مدينة السلط عام 1324هـ/1906م وعائلة أبو قورة التي ينتمي إليها الحاج عبد اللطيف عائلة عريقة، ينحدر معظم أفرادها في السلط، ثم عمان والأردن بشكل عام إلى جدين؛ هما صالح وابن أخيه خير أبو قورة.

ويعتزُّ آل أبو قورة ويتشرفون بانتسابهم إلى آل البيت من جدهم القطب الرباني العارف بالله عبد السلام بن مشيش، والذي يتصل نسبه بالإمام الحسن المثنَّى بن الإمام الحسن السبط بن الإمام علي (كرَّم الله وجهه) والسيدة فاطمة بنت سيدنا الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويعود بداية "استيطان" آل أبو قورة في السلط إلى النصف الأول من القرنين الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي؛ حيث شكَّل القورات (آل خير أبو قورة) جزءًا من عشيرة العواملة كبرى عشائر السلط حينئذٍ، وقد قدَّم أجداد آل أبو قورة إلى السلط، ثم عمان من مدينة دمشق عاصمة ولاية سورية العثمانية، والتي ضمَّت تاريخيًّا وجغرافيا إقليم بلاد الشام (سورية والأردن ولبنان وفلسطين) قبل تقسيم الاستعمار الغربي الصليبي والصهيوني للإقليم إلى كيانات سياسية وحدود مصطنعة.

تلقَّى عبد اللطيف أبو قورة علومه الدينية وتخرَّج من مدارس الكتاتيب (في زمنه) على يد فضيلة الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني إمام وخطيب مسجد السلط الكبير وقاضي السلط الشرعي.

ثم استكمل تعليمه من خلال مجالس العلم العديدة في بلده والخارج، وخاصةً في القاهرة ودمشق.

 

 

ما استفاد الكثير من علاقاته مع زعماء الحركات الإسلامية ومفكريها شرقًا وغربًا، مثل الإمام حسن البنا، والدكتور مصطفى السباعي، وأبو الأعلى المودودي، وأبو الحسن الندوي، ومعروف الدواليبي والبشير الإبراهيمي، وغيرهم من زعماء وعلماء المسلمين.

كما اعتمد على نفسه بالدراسة المتعمِّقة وبناء قاعدة علمية راسخة وثقافة إسلامية واسعة، من خلال قراءته ومطالعته لأمهات الكتب ومصادر العلوم الدينية والدنيوية في مختلف فروع المعرفة والتي حوتها مكتبته الضخمة التي تعلَّم منها الكثير وعمل بعلمها، وأورثها لأبنائه من بعده.

انتقل عبد اللطيف أبو قورة من السلط إلى عمان في مطلع شبابه وعمل بالتجارة والإعمار والأعمال الحرة، فكان أول من أسس شركة لتجارة السيارات في الأردن؛ حيث كان وكيل سيارات شفروليه وروفر وإسكس في مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين الميلادي، إلا أنه بعد ذلك أخذ يعطي معظم وقته وجهده وماله للعمل الوطني والنشاط الإسلامي الذي تربَّى عليه منذ نعومة أظفاره، فما لبث أنْ شارك بنفسه وماله وجهوده في مختلف الميادين في ثورة 1936م، فاشتغل في جمع السلاح وإذكاء الهمم واثارة النفوس وحمل السلاح بنفسه، وشارك كتائب المجاهدين في محاربة الإنجليز والصهاينة، منذ أن بدأت طلائع الشر تغزو المنطقة، وقد رقم على الراية التي تقدم فيها إلى أرض المعركة..

نحن الذين بايعوا محمدا                على الجهاد ما حيينا أبدا

أبو قورة وعلاقته بالإخوان

بعد ذلك تفرَّغ الحاج عبد اللطيف تمامًا للعمل الإسلامي، خاصةً بعد ثورة القسام، وأثناء ذلك رأى موقف الإخوان المسلمين واهتمامها بقضية فلسطين، وفي عام 1943م وقع في يده مجلة "الإخوان المسلمين" ووجد فيها بغيته، وقام بالاتصال مع الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر، كما قام بزيارة مصر، وظل على علاقة مستمرة مع الإمام الشهيد، وأسس العمل الدعوي الإخواني في الأردن بتاريخ 13 رمضان 1364هـ الموافق 19/11/1945م، خاصةً بعد زيارة الأستاذ عبدالحكيم عابدين للأردن عام 1945م، وتمَّ افتتاح أول مقر لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن في عمارة أبو قورة- طلوع جبل عمان، ولقد نجح أبو قورة في عام 1945م في الحصول على ترخيص يسمح له بممارسة عمل ما أسماها "جمعية الإخوان المسلمين"؛ حيث كان نص قرار مجلس الوزراء آنذاك ما يلي: "قرَّر مجلس الوزراء العالي في جلسته المنعقدة في تاريخ 9 كانون الثاني السماح للوجيه إسماعيل بك البلبيسي وإخوانه السادة عبد اللطيف أبو قورة، إبراهيم جاموس، راشد دروزة، قاسم الأمعري، وغيرهم".

وبعد تأسيس الجماعة انتخب الحاج عبد اللطيف ليكون المراقب العام للجماعة في الأردن، وامتازت مرحلة التأسيس أثناء تولِّيه الحركة منذ عام 1945- 1953م بدعوة الناس لاستئناف حياة إسلامية عن طريق إيجاد المجتمع المسلم انطلاقًا من القاعدة الشعبية، والذي تحكمه أنظمة الإسلام الشاملة الإجتماعية والاقتصادية والسياسية، وشارك الإخوان في الحياة العامة والسياسية، فكان للحاج عبد اللطيف وإخوانه ممن قامت الدعوة على أكتافهم وعواتقهم الفضل في التبرع لشراء وتأسيس وبناء دور ومدارس ومساجد ومراكز وجمعيات خيرية إسلامية لخدمة الشعب والوطن والأمة في كل المجالات الإنسانية.

يقول الأستاذ إبراهيم غرايبة: "وبالنظر إلى أسماء المؤسسين والروَّاد في تلك المرحلة فيمكن ملاحظة وجهة وطبيعة الحركة، فقد كانت تجمعًا من التجار والموظفين والمثقفين ثقافةً إسلاميةً، مثل هزاع المجالي، وأحمد الطراونة، وإسماعيل البلبيسي، وشكري أبو رجب، ومحمد علي بدير، وإبراهيم منغو، وقاسم الأمعري، وراشد دروزة، وإبراهيم جاموس، وبديع دروزة، ومسلم النابلسي (شقيق سليمان النابلسي)، وممدوح سبتي كركر، ويوسف البرقاوي، ورياض الجقة، وعبده صبحي، وممدوح الصرايرة، وأحمد الخطيب، وشفيق رشيدات، ومفلح السعد (رئيس بلدية إربد في الأربعينيات) ويوسف المبيضين، وإبراهيم التلي، ومشهور الضامن، وتوفيق جرار، ومحمد سعد الدين خليفة، وزكي سعيد، وجمال عصفور، وعبد اللطيف أبو قوره رئيس الجماعة".

ولقد اختير ضمن الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين، ضمن المجموعة التي ضمت من خارج مصر، ومنهم الدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ عمر بهاء الدين الأميري، ومحمد محمود الصواف، وعبد العزيز العلي، والشيخ محمود خليفة، والحاج طاهر الدجاني.

وأثناء زيارة الإمام البنا لغزة ومدن فلسطين في أبريل عام 1948م، استقبله إخوان الأردن وفلسطين أثناء زيارته لغزة وخانيونس؛ حتى رجع إلى مصر عن طريق رفح.

كما استقبل المستشار حسن الهضيبي أثناء زيارته للشام عام 1954م وجلسا معًا في منزل الأستاذ منصور الحياري القيادي بجماعة الإخوان بالأردن.

ويروي الشيخ منصور الحياري- رحمه الله- عن تجربته مع أبو قوره قائلاً: "عملت فترة طويلة مع الحاج عبد اللطيف أبو قورة، وكنت كأحد أبنائه، وكان رجلاً مجاهدًا ضحَّى بكل ثروته في سبيل الله، وكان على صلة وثيقة بالشيخ حسن البنا، وقاد بنفسه كتيبة الإخوان المسلمين في حرب 1948م، وكان يستقبل مبعوثي الإخوان ويستضيفهم في بيته.

ويقول ممدوح الصرايرة وفوز الدين البسومي: إن الشيخ عبد اللطيف أبو قورة أقام عام 1952م مأدبة غداء في منزله لمن جاءوا من مختلف أرجاء العالم الإسلامي؛ لتشكيل ما عُرف فيما بعد بالمؤتمر العام لبيت المقدس، ومن ضمنهم العلاَّمة أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي ونواب صفوي ومصطفى السباعي وعبد الحكيم عابدين ومحمد محمود الصواف وصالح عشماوي.

واقترح بعض الإخوان اختيار رئيس جديد للجماعة، وقد وافق الشيخ أبو قورة، وعرضت رئاسة الجماعة على نايف الخطيب وكان قاضيًا، فاعتذر، ثم عرضت على محمد عبد الرحمن خليفة الذي كان يعمل في محكمة مادبا "مدعيًا عامًّا"، الذي تم انتخابه في 26/11/1953م.

في حرب فلسطين

لقد كان لجهود الإخوان نحو فلسطين أثرٌ ملموسٌ، سواء كان ماديًّا ومعنويًّا منذ ثورة القسام عام 1936م، غير أنه وما كادت بريطانيا تعلن انسحابها من فلسطين يوم 15 مايو 1948م حتى سارع الإخوان بالاستعداد للتصدي للصهاينة أثناء محاولتهم السيطرة على الأراضي التي يجلى عنها الإنجليز فكانت حرب فلسطين عام 1948م، والتي شارك فيها الإخوان من عدد من الدول، مثل مصر وسوريا ولبنا والأردن والعراق والجزائر وليبيا وفلسطين، وكان على رأس إخوان الأردن الأستاذ عبد اللطيف أبو قورة.

فقد لبَّى الإخوان دعوة الجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس تحت قيادة المجاهد عبد اللطيف أبو قوره لسرية أبي عبيدة، وكان مقرها في قرية (عين كارم- القدس)، والتي مثلت الجماعة في جهادهم في سبيل الله عز وجل، وقد أبلوا أكرم البلاء وأعزه، وأخبار بطولاتهم في الدفاع عن القدس الشريف وصور باهر وعين كارم والمالحة ورامات راحيل، تحدث وكتب عنها أعداؤهم اليهود الذين اعترفوا ببسالة المتطوعين المجاهدين من الإخوان وتفانيهم في الدفاع عن حرمة أوطانهم الإسلامية وجهودهم الجبارة في إنقاذ القدس الشريف وغيرها من الوقوع بأيدي الأعداء اليهود.

يقول الأستاذ سليمان عرار في حوار لصحيفة (الرأي) الأردنية اليومية: وكانت توجد سرية بقيادة عبد اللطيف أبو قورة ومساعده ممدوح الصرايرة من الكرك، وكان موقعها في جبال القدس، وكانت السرية الثانية في بيت لحم بقيادة فارس عقيل ومساعده عربي الجميِّل، كما كان يوجد مناضلون من بني صخر في كل من اللد والرملة بقيادة الشيخ محمد الفايز ومن الحويطات بقيادة الشيخ هارون بن جازي وكانوا في أول باب الواد.

نشاطه

أسهم الأستاذ عبد اللطيف أبو قورة في كثير من الأنشطة مثل: جمعية الثقافة الإسلامية، والكلية العلمية الإسلامية، ورابطة العلوم الإسلامية، وكلية الشريعة، وجمعية المركز الإسلامي، وجمعية السلط الخيرية، وجمعية رعاية شئون الحج، وجمعية الهلال الأحمر الأردني، وجمعية البر بأبناء الشهداء بعمان، والمؤتمر الإسلامي لفلسطين بالقدس 1953م، والمؤتمر الإسلامي في كراتشي- باكستان. ومؤتمر رابطة العالم الإسلامي- مكة المكرمة 1384هـ، ولجنة نصرة الجزائر، ولجنة نصرة الباكستان وكشمير، ولجنة نصرة إرتيريا.

وفاته

تُوفى الحاج عبد اللطيف أبو قورة في العشر الأواخر من رمضان 1384هـ الموافق 2/1/1967م (قبل سقوط القدس الشريف بأيدي اليهود الصهاينة)، عن عمر يناهز ستين عامًا.

للمزيد

1- زينب أبو غنيمة: حسن البنا.. من الميلاد إلى الاستشهاد، الفتح للإعلام العربي، صـ217.

2- محسن صالح، الطريق إلى القدس، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ص184.

3- صحيفة (الغد) الأردني الموافق 6/8/2008م.

4- جمعة أمين عبدالعزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

5- موقع "القدس أون لاين".

6- موقع الدكتور فتحي يكن.

7- الحقيقة الدولية- مروان شحادة، بتاريخ 10 أكتوبر 2007م.

8- صحيفة الدستور الأردنية: 16/10/2009م.