بقلم: د. عز الدين الكومي

لم يكن انقلاب قيس سعيد البائس مفاجئاً؛ فالمتابع للشأن التونسي يشعر بأن سناريو الانقلاب في مصر يتكرر بتمامه للأسف فى تونس؛ حيث تم تأزيم الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية في البلاد مع تدشين حملات تحريض ممنهجة ضد حزب النهضة من خلال الإعلام المأجور الممول إمارتياً .
وفى ظل تردي الأوضاع المعيشية وانهيار المنظمومة الصحية فى البلاد فى هذه الأثناء يظهر قيس سعيد باعتبار أنه المنقذ والمخلص للبلاد من الأخطار المحدقة بها .
وهو نفس ما حدث في مصر عندما تم افتعال أزمات نقص الوقود، وانقطاع التيار الكهربائي، وخروج المظاهرات بشكل يومي، والاعتصامات المتكررة، وظهور حركة تمرد المدعومة من العسكر والممولة من قِبَل الإمارات .
والخطوة التالية كانت  الاعتداء على مقرات الإخوان وحزب "الحرية والعدالة" باعتبار أن الإخوان هم سبب الأزمات مع قيام الكنيسة ونجيب ساويرس بدعم "البلاك بلوك" وقيام جبهة خراب مصر  (المسماة زوراً بجبهة الإنقاذ) بتوفير غطاء سياسي للبلطجية باعتبارهم متظاهرين يعبرون عن رأيهم .
ثم قيام بعض الأبواق الليبرالية الفاشلة سياسياً واجتماعياً والحاقدة على الإسلاميين بمخاطبة الغرب بضرورة إنهاء حكم الإخوان بزعم إقامة دولة مدنية وإقناع الغرب أن ما تم فى مصر هو ثورة
شعبية وليس انقلاباً .
وهو ما اعترف به الدكتور "محمد البرادعي" نفسه بأنه عمل بجد لإقناع القوى الغربية بضرورة الإطاحة بالرئيس محمد مرسي (رحمه الله) بالإقصاء القسرى" .
زاعماً بأنّ الرئيس مرسي فشل في عملية تحول البلاد إلى الديمقراطية الشاملة" .
وأنه تحدث هاتفياً مع وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، ومع مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي "كاثرين آشتون"، لإقناعهما بضرورة الإطاحة بمرسي لكي تبدأ عملية التحول إلى نموذج ديمقراطي للحكم في مصر .
وفى حواره مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، اعتبر أن التدخل العسكري كان"الخيار الأقل ألماً"، مؤكداً أن البلاد لم تكن لتنتظر أسبوعاً آخر .
ودافع عن الاعتقالات الواسعة التي طالت قادة التيار الإسلامي، وإغلاق القنوات الفضائية ، قائلاً : "إن مسئولي الأمن أبلغوه بأن تلك القنوات كانت تحرض على الانتقام والقتل، وأن بعض المحطات التي تم دهمها كانت تحتوي على أسلحة (على حد زعمه) .
 لكنها والحمد لله لم تكن أسلحة دمار شامل على غرار الأسلحة التي ادّعى وجودها في العراق، وكان ذلك سببا في غزو أمريكا له وتخريبه !!!
وبدأ  الإعلام يروج لشعار "نار العسكر ولا جنة الإخوان"، ومن يومها ولايزال الشعب يكتوي بنار العسكر التي لا يبدو أنها ستنتهي إلا أن يشاء الله !!
وما جرى ويجري في تونس هو انقلاب مكتمل الأركان، قاده قيس سعيد ومن خلفه العسكر ، وبتمويل ومساندة قوى دولية وإقليمية معروفة لإزاحة حزب النهضة من المشهد حتى يتم وأد آخر ثورات الربيع العربي للأسف الشديد .
ويخطئ من يظن أن قيس سعيد هو الذي قاد هذا الانقلاب من تلقاء نفسه؛ لأنه هو رئيس البلاد، ولازال فى سدة الحكم، فضلاً عن ضعفه، ومرضه، ولكن الانقلاب تم بالتعاون مع السيسي وبن زايد وبن سلمان وماكرون . 
فى ظل صمت عربي وغربي مطبق، حتى أن ألمانيا اعتبرت أن ماتم فى تونس ليس انقلاباً، وهذا أمر طبيعي متوقع من الغرب المنافق، طالما أن هذا الانقلاب ضد الإسلاميين !!
قيس سعيد يكذب ويتحرى الكذب؛ فقد زعم أن هذه القرارات التى اتخذها تمت بالتشاور مع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، وهذا كذب صراح، لأنه يريد أن يضفي صفة الدستورية على انقلابه المشئوم، وبذلك يكون هو رجل القانون الدستوري الذى عبث بالدستور كما فعل سلفه الغابر عدلي منصور في مصر !!
 لكن المؤكد أن قرار حل البرلمان وحل الحكومة لم يلتزم فيه قيس سعيد بشرط التشاور مع رئيس الوزراء ورئيس البرلمان كما تنص المادة 80 من الدستور التونسي ،
فقد تم تجييش عدد من مرتزقة الإمارات من اليساريين والعلمانيين  _كما تم تجييش حركة تمرد فى مصر _ فقام هؤلاء بمهاجمة مقرات النهضة فى عدد من الولايات مع تهيئة إعلامية عبر قنوات ممولة إمارتياً مع سيلٍ من التصريحات المعادية لحركة النهضة وأبرز هذه التصريحات ما جاء على لسان الأميرال المتقاعد "كمال العكروت" رجل الإمارات فى تونس .
وبعد صدور قرار حل البرلمان والحكومة خرج العشرات أو المئات من المرتزقة، والمغيبين، والدهماء؛ للإحتفال بقرارت الرئيس الحكيمة. وظهر ابتهاج بعض أفراد الشعب التونسي _ من المغيبين  _ بانتصار الرئيس على الغنوشي والنهضة .
والاختلاف الوحيد بين انقلاب قيس سعيد وانقلاب العسكر فى مصر أن وزير الدفاع رفض توجيهات قيس بن سعيد؛ فاستعاض عنه برئيس أركان جيش البر " اللواء محمد الغول" الذى اعتمد عليه الرئيس التونسي قيس سعيد لفرض الإجراءات الاستثنائية غير المسبوقة التي أعلن عنها أمس الأحد؛ فاستجاب ومعه عدد من القيادات العسكرية، وعلى إثر ذلك قام قيس بن سعيد بإقالة وزير الدفاع ووزيرة العدل لاعتراضهما وعدم انصياعهما لأوامره .
وقد استغل قيس سعيد انهيار الوضع الصحي فى البلاد، واختار التوقيت بعناية فى ظل تفشي فيروس كورونا؛ حتى يضمن عدم خروج متظاهرين أو معارضين لقرارته الفاشية!!
وبالطبع سيقوم الإعلام المساند فى مصر والإمارات والسعودية بتصوير الأمر على أنه انقلاب على الإخوان وحزب النهضة لصرف الأنظار عن المخطط الحقيقي من وراء الانقلاب وهو القضاء على الحريات، وعلى إرادة الشعب، وعلى الدستور . والعودة بالبلاد إلى حكم الفرد الذى قامت عليه ثورات الربيع العربي للتحرر من حكم العسكر وكل صور الاستبداد!!
لذا يمكننا القول بأن انقلاب قيس سعيد كان متوقعاً فى ظل مناكفات عبير موسى فى البرلمان، وعرقلة التحول الديمقراطي، وفى ظل تعطيل عمل الحكومة والزيارات المشبوهة التى قام بها قيس سعيد إلى كل من فرنسا والإمارات ومصر .
 كل هذه الأحداث تؤكدأن هذا الانقلاب تم التحضير له خلال هذه الزيارات، ولا أستبعد أن تسقط تونس في هاوية التطبيع البغيض كعربون يقدمه قيس سعيد إلى من دعموه فى انقلابه على الشرعية الدستورية !!