إنه أنت أيها الداعية، آية الله التى تمشى بين الناس اليوم، تحمل عبق المهاجرين والأنصار، صبر الحواريين وطهارة أصحاب الكهف وثبات أصحاب الأخدود، وتجمع قوة العصر بكل ما فيه، صوت الحق الذى يهدر صباح مساء، وقد كتب الله له الخلود، لم تلوثه الحضارة العصرية المادية بكل قوتها، ولم يجمد خلف الدهور والسنين، لا يكسره الطغاة ولا تستميله الشهوات، لا الأرض تحده، ولا العذاب يرهبه.

تحيا فى زمانك كما يحيا الناس، تلبس ما يلبسون، وتأكل ما يأكلون، تتكلم بلسان قومك، تتعلم كما يتعلمون، وتمارس فى حياتك المهنية ما يمارسون، تبرع، بل وتسبقهم فيما يستخدمون من كل جديد، لا تنعزل عما فى أيامك من أحداث، ولا تجهل ما يشغل الناس من جد أمورهم، لكنك تحمل قلبًا، وأخلاقا، وفهما، وسلوكا لا ينتمى إلا للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

لا يشغلك إلا أن يراك الله حيث يحب، عابدًا قانتًا، تاليًا لكتابه متدبرًا لمعانيه، مجتهدًا أن تكون قرآنا يمشى على الأرض، معمرًا للمساجد، مقيمًا للصلاة، يظهر أثرها عليك فى زيادة كل بر ومعروف ونهى عن كل فحشاء ومنكر، منفقًا مما تحب من مال ووقت وجهد، تتصدق على الناس، لا تريد منهم جزاءً ولا شكورًا، تصل الرحم وتغيث الملهوف وترحم ذا الحاجة، تعود المريض وتبر الصديق، لا يفتر لسانك عن ذكر الله ولا قلبك عن مراقبته.

أخلاقك أخلاق الأنبياء، تبسمك فى وجهك نور على نور، وحلو لسانك معين لا يغور، وكرمك فى الناس غرس لا يبور، لا يراك الناس إلا متميزًا، ولا يذكرونك فى مجالسهم -حين يأمنون إلا بالفضل الذى يعرفون، لا يثبت عليك انحراف، ولا يؤثَر عنك نقيصة.

جاد كل الجد، لا يعرف الهزل طريقًا إليك مهما كان سنك، ومهما كانت ثقافتك، ومهما كان موضعك من الحياة، سعادتك حين ينتصر دينك فى أى بقعة، وهمك هم الإسلام والمسلمين فى كل مكان، لا تشغلك مصيبتك عن مصائبهم، ولا تتلهى عنهم بما يراد لك أن تتلهى به، تعرف قضيتك وتعرف عدوك، وتعرف الطريق الذى يحملك ويحمل أمتك إلى الخلاص، ولا تيأس أبدًا.

تسلك فى دعوتك مسالك الأنبياء، كرم إبراهيم فى صبر نوح، بلاغة شعيب فى تحمل موسى، جندية هارون فى عبودية داوود، إبداع سليمان فى نقاء عيسى، يجمعهم جميعا فضل اقتدائك بمحمد - صلى الله عليه وسلم. يجهل الناس عليك فلا يزيدك جهلهم إلا حلمًا ورحمةً، وخوفًا عليهم، وحرصًا على هدايتهم، ترميهم بأطيب الثمر كلما رموك بحجر، تتبسم فى وجوههم، وتدعو بالخير لهم، لا تعاتبهم ولا تحاسبهم، ولا تجازيهم على إساءتهم إلا بالتى هى أحسن، تعلم أنهم مغلوبون أو مغيبون، لا يجوز لك فيهم إلا ما جاز للأنبياء من قبلك. فتسلك فيهم مسالك الأنبياء، تعلم أنهم مقصودون بالدعوة فلا تقصر معهم ولا تيأس منهم، وتعلم أنك مأجور عل دعوتهم فتسعد بهم وتسعى لهم.

تحفظ دينك فلا تفجر، وترعى عهودك فلا تغدر، وتعرف لأهل الفضل فضلهم، وتؤدى لكل ذى حق حقه، نفسك عزيزة فلا تذلها بمعصية، ودعوتك حياتك فلا تفرط فيها، ووقتك ثمين فلا يضيع منك فى غير ازدياد، فلا تمر عليك ساعة إلا فى خير، وإذا أنت فى علو دومًا، تزداد مع الأيام فضلًا. ولا تعدم من الله توفيقًا.

تثبت على طريق الله لا يضرك خذلان ولا يرهبك إيذاء ولا يثنيك تهديد، تعرف أن الله بيده الأمر فتلجأ إليه، تطلب منه سبحانه- الثبات على الرشد ودوام الهداية والحفظ، وأن يصرف عنك كيد الشياطين، وأن يستعملك لدينه ودعوته، فتستمد قوتك من قوته وعزتك من عزته وتوفيقك من توفيقه ونصرك من نصره.

نعم أنت! أنت الذى بددت خططهم وخيبت مساعيهم، وألقمتهم حجارة من سجيل، فالقوم ينفقون أموالهم وأعمارهم وقدراتهم وخططهم ودولهم ومؤسساتهم وعلماءهم ورجالهم ونساءهم منذ مئات السنين- ليصدوا عن سبيل الله، يرجون جيلًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرُا، يستطيعون من خلاله أن يقضوا على هذه الأمة ويواروها الثرى، ويسدلوا الستار على دين الله وقرآنه وسنته وحضارته، ويشيدوا مملكتهم العالمية من دون الله ورسوله، وقد زين لهم الشيطان فظنوا أنهم فاعلون، فإذا بك أيها الحبيب!

ذلك أصل عداوة أهل الباطل لك، وهذا هو السبب، ولن تزول العداوة ولن تهدأ الحرب ولن يتوقف الصراع يومًا، لأنك للحق وبالحق وعلى الحق تهتف كل ساعة مع المؤمنين: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا.