بقلم: حازم عبد الرحمن

في 17 يونيو 2019 أعلن الانقلاب الدموي خبر وفاة الرئيس محمد مرسي شهيدا, بعد ست سنوات قضاها أسيرا, صامدا في سجون الانقلاب العسكري الذي وقع في 3 يوليو 2013, ولم يتنازل عن موقفه المبدئي من التضحية بحياته ثمنا للشرعية؛ فكان مثالا للصمود, والثبات, والتضحية, والوفاء بتعهداته أمام الشعب المصري.

وقد عانى الرئيس الشهيد من أمراض عديدة في سجنه، وتعرض للحبس الانفرادي والإهمال الطبي، الذي أثر كثيرا على صحته؛ ما جعله يعلن أمام القضاء الظالم أن حياته مهددة, وكان التهديد خطيرا لدرجة أنه سقط مغشيا عليه أثناء جلسة المحاكمة , كما لم يتم السماح لأسرته بزيارته سوى  3 مرات خلال 6 سنوات، وكذلك محاميه.

وفي تعليق للكاتب البريطاني روبرت فيسك يقول: " كان موت محمد مرسي متوقعاً، وبحق مثيراً للسخط، وفي رأيي الشخصي جريمة قتل, وبالنسبة لي، إذا توفيت داخل سجن طاغية – وحتى لو لم تكن أول رئيس مصري منتخب – فستكون بشكل أو بآخر قد تعرضت للقتل. ليس مهماً إن كان السبب في ذلك هو الحبس الانفرادي، ونقص العناية الطبية أو العزل. ولا علاقة للأمر بكون المحكمة غير عادلة، وكون التهم سخيفة وغير مقنعة، والحكم مخزيا. فالسجين الذين يعيش في مثل هذه الظروف إنما هو سجين ينتظر الموت في كل يوم ما لم تفتح له أبواب الزنزانة، وهو الأمر الذي لم يكن ليحدث بالنسبة لرئيس مصر محمد مرسي".

الأمر إذن جريمة قتل لا شك فيها, ارتكبها الانقلاب العسكري ضد الرئيس المدني المنتخب الأول في تاريخ مصر, ولأنها كانت جريمة قتل بالفعل سارع الانقلابيون الدمويون في إخفاء معالمها بالإسراع في الدفن, في الظلام, وبعيدا عن مسقط رأسه بقريته بمحافظة الشرقية, فضلا عن منع صلاة الجنازة عليه والاكتفاء بأفراد من أسرته لتشييعه, ومخالفة رغبة الأسرة في ذلك, ومنع وسائل الإعلام من التغطية, وكم كان مثيرا للأسى أن يظهر مراسل صهيوني في تقرير تلفزيوني شامت يصور مقبرة الرئيس الشهيد, ويتهكم عليه وعلى أردوغان وعلى كل الثوار وعلى الشعب المصري من أرض مصر.

*المجرمون:

1ـ عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب الذي يعاني من غياب الشرعية ويمثل له وجود الرئيس مرسي كابوسا؛ فهو الرئيس الشرعي المنتخب, وأول رئيس مدني , وكان انتخابه حقيقيا نزيها بشهادة الجميع .

2ـ أدوات الانقلاب وأولها القاضي الظالم المستشار محمد شيرين فهمي الذي  ترك الرئيس الشهيد  مغمى عليه لمدة 20 دقيقة، ما يتجاوز سوء المعاملة إلى قرار فعليّ بالقتل أمام الشهود, وثانيها النائب العام الذي قرر سريعا التحفظ  على كاميرات القاعة وإصداره «أمراً» بدفن الجثمان بسرعة، وثالثها الأجهزة الأمنية, ورابعها الأذرع الإعلامية للانقلاب التي  فتحت سيلا من الأكاذيب والادعاءات الباطلة في محاولة بائسة لتغييب وعي الجماهير.

3ـ الرعاة الدوليون لقائد الانقلاب، حيث تتعامل هذه الدول مع قاتل سفاح في مصر, وتستقبله في زيارات رسمية, وتأتي لزيارته كذلك, كما لو كان حاكما منتخبا من شعبه, وليس منقلبا قاتلا لمواطنيه, لا يحترم القانون ولا يعترف بحقوق الإنسان, وهذه الدول سقطت في امتحان الإنسانية والأخلاق تماما عندما اكتفت بتحقيق مصالحها مع سفاح يقتل أفراد شعبه.

4ـ الرعاة الإقليميون لحكم العسكر, وهم محور الثورة المضادة, السعودية والإمارات والكيان الصهيوني, وهم يد واحدة على الشعوب العربية, وهم صانعو الانقلاب الحقيقيون , ويرون في مطالبة الشعوب بحريتها جريمة لا تغتفر, وقد بيتوا أمرهم على الحيلولة دون تحقيق حلم الربيع العربي.

5ـ المنظمات الدولية التي تجاهلت التقارير المؤكدة عن مؤامرة يدبرها الانقلاب في مصر ضد الرئيس الشرعي بقتله بالإهمال الطبي في السجن, وهذه المنظمات مصر عضو فيها, وكان يمكنها التدخل لمنع الجريمة, لكنها لم تفعل.

*ردود الأفعال

كشفت ردود الأفعال على استشهاد الرئيس مرسي عن حجم التأييد الكبير له, والتقدير لشخصه؛ فقد امتدت صلاة الغائب عليه لتشمل العالم الإسلامي وأوربا وأمريكا, وأقيمت له العزاءات  في أقصى بقاع الأرض, عوضا عما ارتكبته عصابة الانقلاب في مصر من منع تشييع الجنازة شعبيا, وتصاعدت دعوات الملايين للرئيس الشهيد

وفي الوقت نفسه كشفت ردود الأفعال عن العدو الحقيقي للشعب المصري وحريته فالمراسل التلفزيوني الصهيوني بث من أمام المقابر تقريرا شامتا في استشهاد الرئيس, وتجاهلت صحافة الإمارات والسعودية والأردن الحدث الخطير رغم أن أغلب وسائل الإعلام العالمية الشهيرة، مثل «سي إن إن» و«بي بي سي» و«واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«الجارديان» و«الإندبندنت» نشرت الخبر ، وقدمت متابعات وتحليلات وتقارير مهمة .

وقد جدد استشهاد الرئيس مرسي التأكيد على التمييز بين أعداء ثورة 25 يناير وحرية الشعوب, وأصدقاء الشعب المصري المخلصين.

*رمز الثورة

منذ وقوع الانقلاب العسكري وممارسة العسكر أبشع الجرائم بحق الرئيس المنتخب أظهر الرئيس الشهيد صمودا وثباتا وبطولة يسجلها له التاريخ في وجه الانقلاب الدموي وكان عند كلمته وتعهده بأن ثمن الشرعية والدفاع عنها حياته وقدم روحه الطاهرة دفاعًا عن مبادئه، وحفاظًا على مصر ومكانتها، ورحل شهيدا عظيما لم يقبل الدنية أبدا في شرعية الشعب المصري, الذي اختاره ويعرف قدره ومكانته, ولن يمضي وقت طويل ـ بإذن الله ـ حتى يتم القصاص .

إن الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي قضى عاما في السلطة قدم خلاله نموذجا فريدا في الحكم؛ فبالرغم من مؤامرات الثورة المضادة منذ اللحظات الأولى لتوليه السلطة, إلا أنه كان نموذجا للرئيس الحقيقي الذي يتوقف موكبه في الطريق ليتلقى شكاوى المواطنين, وهو الرئيس الذي لم يقصف أقلام الكتاب والصحفيين رغم تجاوزات يعاقب عليها القانون, بل تم في عهده إلغاء الحبس الاحتياطي في قضايا النشر

ولن ينسى له التاريخ موقفه من العدوان على غزة, وقولته الشهيرة "غزة ليست وحدها", وهو مالم يجرؤ حاكم عربي عليه في كل عدوان صهيوني همجي على القطاع المحاصر, ما أعاد إلى مصر مكانتها في المنطقة, وجعل لكلمتها وزنا أمام العالم.

وفي خلال عام واحد في الحكم  بدأ الاقتصاد المصري في التحسن وزاد إنتاج القمح بنسبة 30% وزادت أعداد السائحين, واستفاد موظفو الدولة من رفع الحد الأدنى للأجور, وتحسنت أوضاع العاملين بالأزهر وأساتذة الجامعات وأئمة الأوقاف, ودارت عجلة الاقتصاد في المجتمع نحو النمو والتقدم.

وفي عهده تم إصدار الدستور بموافقة ثلثي الشعب في استفتاء تمت إدارته بنزاهة وشفافية وتم نقل سلطة التشريع إلى مجلس الشورى المنتخب، إلى جانب حرص الرئيس على تنفيذ أحكام القضاء فيما يتعلق بسلطاته، مثل سحب قرار عودة مجلس الشعب ووقف الدعوة للانتخابات البرلمانية, والتزم الرئيس بكل ما توصل إليه الحوار الوطني والمشاركة المجتمعية، مثل تعديل الإعلان الدستوري وتعيين 90 من الأسماء المقترحة في مجلس الشورى, وتم تعيين 14 قبطيا أعضاء في مجلس الشورى وتفعيل المجلس الوطني للعدالة والمساواة, وإطلاق سراح المدنيين المحكوم عليهم عسكريا بعد تشكيل لجنة حماية الحرية الشخصية, والعفو الشامل عن كل من حكم عليهم في بعض الجرائم التي ارتكبت أثناء ثورة 25 يناير 2011 بهدف مناصرة الثورة عدا جنايات القتل.

وتم إنجاز اتفاقيات اقتصادية كبيرة مع قطر والسودان وتركيا والصين والهند وروسيا وألمانيا وإيطاليا.

وبعد هذا كله قدم نموذجا غير مسبوق في الصمود أمام الانقلاب العسكري ورفض المساومات، ومن كلماته التي سجلها له التاريخ في خطابه للشعب المصري: "حافظوا على الثورة التي حصلنا عليها بعرقنا ودماء شهدائنا، وبسنتين ونصف من المظاهرات. يجب أن تحموها، سواء كنتم مؤيدين أو معارضين، إياكم أن تسرق الثورة منكم". وهذا هو واجب الشعب الآن أن يسترد الثورة ممن سرقوها منه.