الحب الحقيقي

حمت ظهره في كل مراحل حياته بعد زواجهما أمام كل الخطوب والأحداث التي عصفت بأسرتهما السعيدة، و لم تسمح لأحد من قرابتيهما أن ينال شيئاً من تماسكهما في دربهما الذي اختاراه .
امتحنا وصبرا وثبتا معاً، حتى حالت الأسوار بينهما لكن عهداً أبدياً قد سرى في عروقهما أعانهما على المضي بإصرار إلى طريق لانهاية إلا لعذاباته وآلامه .
 ولدت له أبناءه الخمسة، لايفصل بين مولود ومولود إلا مدة اعتقال، يتلوها إفراج، يتلوه اعتقال، يتلوه إفراج، وهكذا حتى أتم  الله لهما بذريةطيبة مباركة تشربت من أصولها الحمية لدينها والأخلاق النبيلة الرفيعة .
 كادت تكون أماً وأباً، لكن ظِل زوجها الذي حافظت عليه مقدراً محترماً محبوباً ساعدها كثيراً لتعليق الكثير من قراراتها برضاه حين يعود، وفرحه بأبنائه إذا وصلت الأخبار إليه، وآماله التي ستتحقق إن سمع بالثبات على المبدأ والانتصارعلى الظلم فيما نقدر عليه كأسرة بطل أسير   ..
كانت قوية حسب مبادئها وتعاليم دينها، ضعيفة منكسرة بين يدي خالقها في وحدة الليالي، عزيزة منافحة بين دفاع وهجوم فيما بينها وبين مجتمعها الكبير الصغير ..
كبر الصغار ..
تخرجوا من جامعاتهم وكلهم ذلك الرجل الأسير أو المرأة الصابرة ..
ازداد شغفها ليوم حرية حبيبها المغيب الوفي ..لكنه
هالها أن تراه على كرسي متنقل ..
وقد بذل جهداً ليتماسك ويبتسم مع دموعه ..
حبيبتي يحق لك أن لاتنتظريني أكثر ..
لم أستطع إسعادك كما وعدت، وأنت كنت أكثر مني قدرة على الوفاء ..
أجهشت بالبكاء 
وسرعان ماعاد الضياء لقسمات وجهها الطاهر :
وفاؤك لطريقنا إلى الله هو اختيار الله لك 
وثباتك عز لنا ..
وقد تجاوزنا كل الصعاب بما أمدنا سبحانه 
فلا تأخذك الكلمات بعيداً عن قلبي الموجوع ..
سأنتظرك حتى يمل الانتظار من صبري و إصراري ..
 لكن مابيننا لا تنفصم عراه ..
نظر إلى كرسيه متحسراً ..
ثم مالبث أن حمد الله مولاه لتتابع حديثها متجاهلة غصته :
 أبناؤك يتابعون طريقنا  رغم العيون التي ترصدنا ..
لن نهون وقد حرم الله علينا الهوان .
هم المأسورون و نحن الأحرار 
هم المقمحون بأغلالهم إلى الأعناق ..
وأنت القادم من أقصى المدينة لدعوتهم ..
 -لكنه جاء يسعى 
وأشار إلى كرسيه ..
لم تسمح له بالاستطراد ..
نحن لاتحكمنا الكراسي 
ولاتحركنا العجلات 
بنور الله نمضي 
ولن يخبو نور موصول بالله وعمل لله واستمد هديه من نور الله ..
وعلى وقع هذه الكلمات جاء الخفير ليسحب الكرسي القهقرى 
ليعلو صوت الأسير الحر  وهو يردد:
 (ياليت قومي يعلمون بماغفر لي ربي وجعلني من المكرمين ،من المكرمين ،من المكرمين )
وتنبهت من حلم كالحقيقة في مشهد حي 
وقد ملأت الكرامة مسامعها 
وأطلقت العنان لدعوات تجوب السماء من قلب واثق مكلوم .
             رفاه مهندس