في ذكرى مرور 17 سنة على رحيل القائِدِ الكبير علي عزت بيجوفيتش بعد نحو 78 عاما قضاها في رحلة الحياة من العمل والعلم والجهاد، أجمع معاصرون بين مراقب أو أمير جماعة إسلامية وباحث في التاريخ الحديث وشاهد على عصر ورجل أن الرئيس الأول لدولة البوسنة والهرسك كان إنسانا مؤمنا عظيما وقائدا فذا يصلح أن يكون نموذجا لمن بعده يعلمهم من خبراته ومواقفه وقراءاته.

مسيرته
ولد عام 1925 لأسرة مسلمة، ورحل بيجوفيتش في أكتوبر 2003، وتوافق ذلك مع شعبان 1424هـ.
في 19 أكتوبر 2003، وكان أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك، وقضى شبابه خلال الحرب العالمية الثانية في مكافحة الفاشية ثم الشيوعية، إبان خضوع بلاده لحكم الاتحاد اليوغوسلافي، وقضى أعواما في السجون جراء نشاطه وكتاباته، حيث كان متقنا للغة العربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية.

سُجن علي عزت لمدة  13 عاما، بسبب دفاعه عن حقوق شعبه المغتصبة، إبان الحكم الشيوعي في عهد الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو.
وأسس في عام 1990 أسس حزب "العمل الديمقراطي"، لإتاحة الفرصة للبوشناق المسلمين، للعب دور في الساحة السياسي، ولتقديم مثال على التعايش بين العرقيات المختلفة الموجودة في يوغسلافيا آنذاك.

قاد بيجوفيتش شعب البوسنة خلال الحرب التي بدأت مع إعلان البوسنة والهرسك استقلالها عن يوغسلافيا عام 1992، وانتهت بتوقيع اتفاقية "دايتون" للسلام مطلع نوفمبر 1995.

ألّف عدّة كتب، وكتب العديد من الأبحاث، وقدّم الكثير من المحاضرات، في ميادين الفكر والسياسة والدعوة، ومن أبرز ما كتب في عام 1970، كتابه "الإعلان الإسلامي" والذي قدم من خلاله مشروعه السياسي للدول في العالم الإسلامي.

وفي عام 2000، ترك منصب الرئاسة، ثم توفي في 19 أكتوبر 2003، ودفن، بموجب وصيته، في قبر بسيط بين قبور الشهداء بالعاصمة سراييفو.

من أقواله
من أشهر عباراته "البوسنة لا بد أن تنال حريتها يومًا، وستعود كما كانت من قبل عنوانًا للإخاء والترابط والتسامح بين الشعوب".

"أصبح التليفزيون تهديدا للحرية الإنسانية، أكثر خطرا من البوليس والسجون ومعسكرات الاعتقال السياسي... إذا كانت الدساتير في الماضي توضع للحد على سطوة الحكام، فإن دستورا جديدا سنحتاج إله لكبح جماح هذا الخطر الجديد الذي يهدد بإقامة عبودية روحية من أسوأ الأنواع".

"إن المساواة والإخاء بين الناس ممكن فقط إذا كان الإنسان مخلوقًا لله، فالمساواة الإنسانية خصوصية أخلاقية وليست حقيقة (مادية)، إن وجودها قائم باعتبارها صفة أخلاقية للإنسان، كسمو إنساني أو كقيمة مساوية للشخصية الإنسانية، وفي مقابل ذلك إذا نظرنا إلى الناس من الناحية المادية، فالناس غير متساوين... فطالما حذفنا المدخل الديني من حسابنا سرعان ما يمتلئ المكان بأشكال من اللا مساواة: عرقيًّا وقوميًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا. إن السمو الإنساني لم يكن من المستطاع اكتشافه بواسطة علم الأحياء أو علم النفس أو بأي علم آخر".

وعن الثورة والمجتمع قال "إن المجتمع العاجز عن التدين هو أيضا عاجز عن الثورة. والبلاد التي تمارس الحماس الثوري تمارس نوعا من المشاعر الدينية الحية. إن مشاعر الأخوة والتضامن والعدالة هي مشاعر دينية في صميم جوهرها، وإنما موجهة في ثورة لتحقيق العدالة والجنة على هذه الأرض".
وأضاف "إن كلا من الدين والثورة يولدان في مخاض من الألم والمعاناة ويحتضران في الرخاء والرفاهية والترف. حياة الدين والثورة تدوم بدوام النضال والجهاد، حتى إذا تحققا، يبدأ الموت يتسرب إليهما. ففي مرحلة التحقق في الواقع العملي يُنتجان مؤسسات وأبنية، وهذه المؤسسات نفسها هي التي تقضي عليهما في نهاية الأمر. فالمؤسسات الرسمية لا هي ثورية ولا هي دينية".

وأوضح بيجوفيتش "فإذا وجدنا خصوما للثورة في نطاق الدين، فهم خصوم ينتمون إلى الدين الرسمي فقط، أي إلى الكنيسة ونظامها الإداري الهرمي، أو الدين المؤسسي الزائف. وعلى العكس، فإن الثورة الزائفة أي الثورة التي تحولت إلى مؤسسة وإلى بيروقراطية، تجد دائما حليفها في الدين الذي تحول هو أيضا إلى مؤسسة وإلى بيروقراطية. فما أن تبدأ الثورة تكذب وتخدع نفسها حتى تمضي مع الدين المزيف يدا بيد".
وعن أقواله في الأنفع لرقي الانسان "التعليم وحده لا يرقى بالناس ولا يجعلهم أفضل مما هم عليه أو أكثر حرية أو أكثر إنسانية. إن العلم يجعل الناس أكثر قدرة، أكثر كفاءة، أكثر نفعا للمجتمع. لقد برهن التاريخ على أن الرجال المتعلمين والشعوب المتعلمة يمكن التلاعب بهم بل يمكن أن يكونوا أيضا خُدَّامًا للشر، ربما أكثر كفاءة من الشعوب المتخلفة.

إن تاريخ الإمبريالية سلسلة من القصص الحقيقية لشعوب متحضرة شنّت حروبا ظالمة استئصالية استعبادية ضد شعوب متخلفة أقل تعليما، كان أكبر ذنبهم أنهم يدافعون عن أنفسهم وحرياتهم. إن المستوى التعليمي الراقي للغزاة لم يؤثر على الأهداف أو الأساليب، لقد ساعد فقط على كفاءة الغزاة وفرض الهزيمة على ضحاياهم".

مع أردوغان
وتحدث الصحفي أحمد زكريا عن الشعبية الواسعة التي يحظى بها بيجوفيتش خاصة لدى الأتراك، كما كانت تربطه بالرئيس رجب طيب أردوغان علاقة صداقة قوية.
وتوصف العلاقات بين البوسنة وتركيا بأنها تاريخية، حيث يعيش الكثير من الأتراك في البوسنة والهرسك، ويعيش الكثير من البوسنيين في تركيا.

ومن وصية بيحوفيتش لأردوغان قال: "في كل مناسبة يستذكر فيها أردوغان، الراحل بيجوفيتش، يتطرق إلى الوصية التي أوصاه بها عند زيارة أردوغان له في المستشفى قبيل وفاته. وأوصى بيغوفيتش أردوغان قائلا له "احم البوسنة وارعاها، هنا يعيش أولاد الفاتحين، البوسنة أمانة لديكم".