"السيدة آمال العشماوي" إحدى أيقونات الفداء والتضحية على طريق الدعوة، فتلك السيدة التي تعد نموذجا متكررًا لما قدمته الصحابيات اللاتي عاصرن النبي صلي الله عليه وسلم من تضحيات من أجل رفعة هذا الدين ورغم وفاتها منذ ما يزيد عن ربع قرن إلا أن اسمها سيظل حيا في نفوس الجيل الجديد من الأخوات المسلمات، كما ستظل مواقفها عبر ودروس في قوة العقيدة التي تحفظ النفس.
النشأة والتكوين
هي أمال محمد العشماوي، ابنة محمد العشماوي وزير المعارف في فترات كثيرة، وهو رجل مشهود له بالغيرة على الإسلام، عمل على إصلاح التعليم في مصر، واعتقلته حكومة عبد الناصر عام 1954م بدون سبب، رغم تجاوزه الستين من عمره حتى يسلّم ابنه حسن العشماوي نفسه.
فهي أخت حسن العشماوي أحد قيادات الإخوان، وعضو مكتب الإرشاد الذي برز اسمه في فترة المرشد الثاني حسن الهضيبي. زوجها المستشار منير الدلة، أحد أبناء الطبقة الثرية، عُين مستشارًا بمجلس الدولة، والتحق بالإخوان المسلمين في بداية الأربعينيات، وأصبح عضوًا في مكتب الإرشاد منذ أواخر عام 1948م، وحكم عليه عبد الناصر بالسجن بعد حادثة المنشية ولم يخرج إلا في عهد السادات، وهو العهد الذي توفاه الله فيه.
ولدت آمال العشماوي في المنيا في بيئة ميسورة الحال، وكان بيت صلاح وتقوى يحب الخير لكل الناس، وكان دافعًا لها لحفظ كتاب الله. تدرجت في مراحل التعليم المختلفة حتى تخرجت في كلية الحقوق، غير أنها تفرغت لخدمة بيتها ودعوتها بعد زواجها من الأستاذ منير والتحاقهما معًا بدعوة الإخوان.
على طريق دعوة الإخوان
بعد زواجها من الدلة بايعت السيدة آمال على السير في طريق الدعوة مثلما فعل أخيها وزوجها، ومنذ أن التحقت بالجماعة، وهبت نفسها لدين الله، فقدمت له النفس والمال والجهد، وسخرت بيتها لإعلاء كلمة الله، فكان بيتها بحق بيتًا للدعوة، ودارًا للإخوان المسلمين..
نشطت آمال العشماوي داخل قسم الأخوات، وكان لها أثر بارز فيه، حتى انتخبت رئيسة للجنة التنفيذية التي تشرف على القسم عام 1944م ، تعاونها أمينة علي وزينب عبد المجيد وفاطمة عبد الهادي.
كما أنها تقدمت برأي لإنشاء مدرسة للأيتام، وتكون ناظرتها فاطمة عبدالهادي، وهي المدرسة التي سميت ب"دار الفتاة الإسلامية"، وكان مقرها المنيرة.
وقد استطاعت أن تحصل على ترخيصها من وزارة المعارف التي رأسها والدها، كما اقترحت عمل مشغل بالمدرسة يعود ريعه على الأطفال اليتامى، وبعد حل الجماعة في 8 ديسمبر 1948م، اقترحت آمال العشماوي أن تلتحق المدرسة بدار الإصلاح الاجتماعي التابعة لوزارة المعارف حتى لا تستولي عليها الحكومة، خاصة بعد رفع اللافتة من عليها.
ويذكر لها التاريخ أنها كان لها الفضل في تهريب نجيب جويفل الذي حاول إبراهيم عبدالهادي إعدامه، فقد سافرت بصحبة أخيها حسن ومعها مربية الأطفال والتي تخفى في ثيابها الأخ نجيب بالإضافة إلى الأطفال حتى لا يلحظ أحد الأمر، واستطاعوا أن يصلوا إلى بيروت ليعيش نجيب هناك، ويعود حسن وأخته بعد هذه المخاطرة.
ولا ينسى أحد دورها نحو المسجونين عام 1948م. كما أنها لم تقصر تضحياتها وفدائيتها على هذا فحسب، بل شهد بيتها اللقاءات التاريخية التي عقدت في أوائل عام 1950م لاختيار من يخلف الإمام البنا في قيادة الجماعة، ودعاهم الأستاذ منير أن يتفقوا على أحدهم، أو على شخص آخر غيرهم لكي يقدموه إلى الإخوان، فلا يكون هناك مجال بعد ذلك لاختلاف الإخوان.
عرفت السيدة آمال بالصدق في معاملتها، والحب لأخواتها، والبساطة، كما أنها عرفت بالهمة العالية في نشر الدعوة ، وفي رعاية أسر الإخوان وقت المحن.
لقد اعتبرها الإمام البنا مثالاً للأخت المثقفة الداعية المجاهدة، التي حملت الدعوة في صدق، فوهبتها كل وقتها وعواطفها ومالها بصورة فذة.
صبر وثبات في السجن
بالرغم مما كانت تعيش فيه آمال العشماوي من رخاء وثراء، إلا أنها لم تشعر بلذة المال إلا في التضحية به في سبيل الله، فقد فتحت خزينة زوجها للإنفاق على أسر الإخوان المسجونين في المحن التي تعرض لها الإخوان.
وكانت مثالاً للمرأة الصابرة عندما حكم على زوجها بعد حادثة المنشية بالأشغال الشاقة المؤبدة، فما جزعت، لكنها اشتركت مع السيدة أمينة علي و نعيمة خطاب و زينب الغزالي و خالدة الهضيبي في رعاية أسر الإخوان.
وظلت على جهادها حتى أصابها ما أصاب كل الإخوان من اعتقال وتعذيب في سجون عبد الناصر، فقد اعتقلت وأودعت سجن القناطر، وكانت عاملاً من عوامل تخفيف المعاناة على الأخوات المعتقلات في السجن، كما كانت لها مواقفها نحو إدارة السجن، فعندما تعرضت الأخت فاطمة عبد الهادي للنزيف صرخت آمال العشماوي في إدارة السجن قائلة لهم: "أنتم منتظرين لما تموت كما ماتت الأخت... بالأمس.. أرسلوها للقصر العيني كي تعالج"، وظلت مصرَّة على موقفها حتى وافقت المباحث على نقل فاطمة إلى القصر العيني.. ومكثت في السجن عدة شهور حتى أفرج عنها.
وفاتها
بعد خروجها من المعتقل، أكملت الطريق مع زوجها، الذي وافته المنية بعد خروجه من السجن في عهد السادات، وظلت تعمل في الدعوة حتى توفاها الله عام 1995م.
لقد رحلت بعد أن تركت وراءها ثروة عظيمة من الأخوات اللاتي تربين على التضحية والفداء، فرحمها الله رحمة واسعة.