أيها الأحرار سلام عليكم، بذكركم تطيب نفوسنا، وبصبركم نستمد قوتنا، وبثباتكم يشتد عزمنا، وبدعائكم يوفقنا الله وإياكم إلى نصرة دينه، فرج الله عنا وعنكم، وأخلفنا وأهليكم خيرا، وبوركتم أينما كنتم، وجزاكم الله عنا خيرا والجنة، ودمتم أحرارا.
أيها الأبطال الأباة:
أنتم والله الأحرار وإن غيّبتكم الأسوار؛ فإنكم لا تزالون في قلب المعركة؛ مواقفكم مشهودة، وكلماتكم مرتقبة، وأعمالكم لها ثقل كبير في المعادلة، لقد كنا معًا في الميدان، وسبقنا إخوان كرام إلى درب الشهادة، وبقينا بعدهم لنرفع الراية، ونكمل المسير، ونجهر بكلمة الحق، ونقف بإباء وشمم في وجه الظلم والطغيان، ونعبر بصدق عن عشق شعبنا للحرية، وحب شعبنا للكرامة، وطوح شعبنا للعيش الكريم، ورغبة أمتنا للحياة الحرة العزيزة في ظلال شريعة الله العادلة الرحيمة ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾ (البقرة: 138).
أيها الأبطال الأباة:
لقد عملنا معًا في مضمار الدعوة حتى اختار الله تعالى لكم ميدانًا آخر للجهاد والكفاح، اختار الله لكم أن تراغموا الظالمين وأنتم في قبضة أيديهم، فيروا منكم ويسمعوا ما يأكل قلوبهم الجاحدة، وأكبادهم الغليظة. يرمقونكم فلا يرون منكم إلا تمسكًا بحقكم، وثباتًا على مبادئكم، وإصرارًا على طريقكم، وحفاظًا على وحدة صفكم واجتماع كلمتكم، والتفافًا حول قيادتكم، ينظرون إليكم فلا يرون إلا صبرًا جميلًا، ونفسًا طويلًا، وفقهًا أصيلًا، وفهمًا دقيقًا، وإيمانًا عميقًا، وحبًا وثيقًا. يرقبونكم ويحللون كلماتكم ومواقفكم فيرون ثقة بالنصر لا يفهمون مصدرها، ويقينًا في هلاك الظالمين لا يستوعبونه، ولكنهم يحسونه؛ فلا تظنوا أنهم لا يتأثرون بمواقفكم وأقوالكم وحالكم، أو أنهم لا يتألمون مما هم فيه من ذل المعصية وشؤم الظلم، وصدق الله العظيم: ﴿ولَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (النساء: 104). فكبروا في العيد وعيشوا فرحته، وقريبًا بإذن الله تكونون مع حجاج بيت الله الحرام، ولعل الله تعالي أن يكتب لنا صلاة في المسجد الأقصى بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.
جدد العهد والبيعة مع الله تعالى
أيها الأبطال الأباة:
سيروا على درب إخوانكم الشهداء، ولا تنسوا تاريخكم السابق من البذل والعطاء، والجهاد والتضحية، والثبات والتجرد، والأخوة والثقة، وتذاكروا سيرة إخوانكم من قادة هذه الدعوة المباركة الذين سبقوكم على الدرب، ومضوا إلى الله ثابتين صامدين؛ لم يغيروا، ولم يبدلوا، ولم يعطوا الدنية من دينهم، ولم يخذلوا دعوتهم، ولم يقصروا في حق أمتهم، وأعطوها حقها كاملًا من شبابهم وصحتهم وأموالهم وحريتهم وحياتهم، تذاكروا سير هؤلاء ومن قبلهم سير النبيين والصالحين والصحب الكرام والتابعين الأماجد، وتذكروا أنكم تسيرون خلفهم في نفس الطريق؛ فتشبهوا بهم، وانسجوا على منوالهم، واعلموا أنكم اليوم في امتحان صعب، وأن وقت الامتحان قصير مهما بدا طويلًا، وأن الحياة بعده مختلفة تمامًا لمن نجح فيه أو رسب ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (التوبة: 105).
أيها الأبطال الأباة:
لا تنكسروا فينكسر بكم الإسلام، ولا تهونوا فتهون بكم الدعوة، ولا تنخذلوا فتنخذل بكم الثورة، واحذروا اختلاف القلوب؛ فإنه من أسوأ الخطوب، وكونوا صفًا واحدًا وكلمة واحدة؛ حتي تتراص الصفوف من ورائكم، واذكروا أن الاجتماع عن المفضول خير من التفرق على الأفضل. ولينوا لإخوانكم، وتسامحوا وتغافروا، فإن الضيق يتسع للقلوب المتحابة حتي يصبح أفسح من الفضاء الرحيب، وأقطار الأرض الفسيحة تضيق بالقلوب المتنافرة، والعقول المتناكرة، والأنفس المتشاحنة، وتذكروا أن الرفق من أعظم أخلاق الإسلام؛ فما كان الرفق في شيئ إلا زانه وما نزع من شيئ إلا شانه. واغتنموا خلوتكم مع ربكم؛ وبثوه نجواكم وشكواكم وهمومكم؛ فهو وحده القادر على تفريج كروبكم، وتضميد جراحكم، وإغاثتكم حيث لا يغيث سواه، وتوكلوا عليه وحده وثقوا في وعده فهو آت لا محالة: فالعاقبة للمتقين، والنصر للمؤمنين الصابرين المحستبين، والهلاك للظالمين المجرمين ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: 51).
كن على ثقة أن القادم أفضل في الدنيا والآخرة.
أيها الأبطال الأباة:
في بداية عامنا الجديد تتفجر ينابيع اليقين الكامل والثقة المطلقة والتوكل الحسن المقرون بالاعتماد على الله واستشعار معية الله، ويقول كل منا لصاحبه قول رسولنا لصاحبه "ما ظنك باثنين الله ثالثهما" فيأتيكم النصر والتأييد، ويصرف الله عنكم كيد الأعداء إن شاء وبما شاء وكيف شاء، ويملأ قلوبكم بالطمأنينة والسكينة ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 40).
نعم لكسر كل القيود التي تمنعك من تحقيق حلمك نعم لإيمانك بطيبتك وإنسانيتك وحبك للناس وهذا كفيل بمنحك كل شحنات الأمل والسعادة نعم لتشرق كل يوم مع الشمس بابتسامة تهمس بها في قلوب أحبائك أنهم جزء من عالمك...
ثقتنا بالله دائمة وذلك أزكى الأمل وحسن توكلنا عليه أوفى العمل.. تكسر كل قيودكم وتعلي إيمانكم وتطيب إنسانيتكم وحبكم للناس وتصفو القلوب؛ وتمسكو بالصبر الجميل فلا شيء مستحيل وتمسكوا بالأيادي النظيفة. واشحذوا طاقتكم للنجاح والانتصار... وليكن همكم مصروفا إلى طاعة ربكم سبحانه وتعالى، واجتهدوا في دعائه بقلوب سليمة، واعتقادات مستقيمة، يستجب لكم، ويبلغكم آمالكم، ويفتح لكم أبواب الرشد في مساعيكم، ويعصمكم من أفكار السُوء، ويحفظ أنفسكم من المكاره، وينجيكم من فخاخ الآثام، ويردَّ عنكم المخاوف، فما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها
وليكن شعاركم "إن الله معنا"، فهو عنوان اليقين الكامل، والثقة التامة، والطمأنينة العميقة، وهو حصن المؤمن في مواجهة الخطوب والأهوال. ولا غرو؛ فمن كان الله معه فمن يكون عليه؟!! ومن كان الله معه فهل يليق به حزن مقعد أو قلق محبط؟!! ومن تترس بهذا الحصن المنيع فأنّى للأعداء أن يصلوا إليه أو ينالوا منه؟ إلا ما كتب الله عليه من ليضاعف بها أجره، ويحط بها وزره، ويرفع بها قدره.
إن الله معنا، قالها رسول الله صلي الله عليه وسلم يسكِّن بها روع صاحبه إن الله معنا، وقالها موسي عليه السلام يثبت بها قومه، وقد استبد بهم الخوف، وملأ قلوبهم الفزع وقالها الله من فوق سبع سموات إنا معكم: قالها الله تعالى يطمئن بها موسى عليه السلام وقالها الله تعالى للملائكة يطمئنهم وقد كلفهم أن ينزلوا لتثبيت قلوب المؤمنين في غزوة بدر.
والعناية الإلهية لا يحظى بها إلا العاملون المجاهدون، ولا ينالها القاعدون المتواكلون، إنها الأمان الحقيقي للمجاهد الذي استنفد أسباب البشر، ولم يعد في وسعه شيء يفعله، إنها لا تأتي إلا لمن نصر الله تعالى على نفسه وهواه، وقاوم عوامل الضعف والتخاذل، وبذل قصارى جهده في تنفيذ مراد الله منه، وسعى بكل طاقته لتحقيق الأهداف المرجوة، وغالب الأعذار، واستفرغ وسعه لتخطي العقبات، وصبر صبرًا جميلًا على أشواك الطريق، وما يلاقيه فيه من مشقة وأذي، وهذا هو المفهوم من قوله تعالي: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية 40) وقوله تعالي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7).
جدد الأمل ولا تستدعي اليأس
أيها الأبطال الأباة:
يا من تواصلون الليل بالنهار هم يريدون لإرادتنا أن تنكسر فاحذروا جددوا العهد ونوايا الخير في داخلكم وأحسنوا الظن بالله وتنفسوا عبير الرحمات وأوجدوا لأنفسكم الحياة وازرعوا غرسا سيكبر ذات يوم ويؤتي أكله وأنيروا الشموع في طرق الظلام وانشروا التفاؤل واغسلوا عن قلوبكم شوائب الإحباط واليأس قابلوا الحزن بالإبتسامة
كونوا واثقين بنصر الله موقنين أن سنة الله في الانتقام من الطغاة والظالمين معلومة مهما طال الطريق فلنثبت على الطريق حتى لا يفوتنا الأجر
جددوا آمالكم وأمنياتكم ولا تخشوا شيئا ففي حضرة الدعاء ووجود الله تجبر الكسور وتتحقق الأمنيات وتتجدد الحياة، نسأل الله تعالى أن يجعله عام خير وبركة وسداد ورشاد وفرج وفتح ونصر وتمكين، وأن يجعلنا من أوليائه الذين يحبهم ويحبونه، ومن أصطفيائه الذين يجاهدون فيه حق الجهاد، قرت أعينكم برؤية ربكم في الجنة، وبمرافقة حبيبكم المصطفى في الفردوس، وجمعنا وإياكم على الخير دائمًا.