يقبل العيد ببهجته و فرحته .. يملأ قلوب المسلمين بشرا و سرورا .. ويرسم على وجوههم بسمة وحبورا ..هذا العيد تتقارب فيه القلوب على الود، ويجتمع الناس بعد افتراق .. ويتواصل فيه الأهل والأرحام .. ويتزاور المتحابون في الله من أهل الإسلام.

لكن كيف يكون هذا العيد خلف الأسوار .. مع رجال نحسبهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. رجال كالجبال هزموا الطاغوت وجنوده بثباتهم على دين الله الذي ارتضى لهم .. رجال أحرار رغم قيودهم خلف الأسوار .. بذلوا كل غال من أجل نصرة الدعوة و إعلاء راية لا إله إلا الله .. ولا نزكيهم على الله.

هؤلاء هم المعتقلون من جماعة الإخوان المسلمين ، الذين دارت عليهم رحى السنون في درب طويل من المعاناه والألم والقهر، ومن غيرهم من أحرار الوطن وشجعان الميدان وحماة الحق، لكنهم لم يستسلموا بل أكملوا المشوار حاملين أمانة الدعوة ولم يبالوا بالأشواك في طريقهم فقد داسوها .. وزرعوا بدلا عنها أزهار الحب في الله ، و ثمار النجاح و النصر المبين .

كيف يمر العيد على هؤلاء في المعتقلات بعيدا عن الأهل و الأبناء ؟!!

عبد الحليم خفاجي

للإخوان ذكريات روحية مع العيد أيام المعتقل يقول عنها الأستاذ عبد الحليم خفاجي :" الأمل في مقابلتهم والحديث معهم يزداد مع اقتراب أيام عيد الفطر ، حيث ترفع السياط وتفتح الزنازين ويؤذن لنا بالتزاور ..

وتدوى أركان السجن بنشيد الانتصار الرباني في صبيحة يوم العيد .. وقد تركت الأبواب مفتوحة من بعد الفجر ، دون السماح بالخروج منها إلي ما بعد الانتهاء من وقت الصلاة والفراغ من التكبير .. التكبير الذي لا يستطيع أحد منا أن يلفظ بكلماته في غير اليوم .. حيث يشتبه مع شعار الإخوان الذي تعمل له الحكومة ألف حساب .. ولكننا اليوم في أمان من أي شر ، فكان لوقعه الجميل أثر كبير في نفوسنا ، أعاد إليها يقينها في الله القاهر فوق عباده . من كل مكان في السجن تلتقط أرواحنا قبل آذاننا - الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر .. ولله الحمد .

وتهيأنا بلبس حللنا كاملة ، حتى الذين كانت تمنعهم الجروح والأربطة جاهدوا للظهور في أحسن زينة .. ويالها من لحظة .. عندما انطلقنا خارج الزنازين يعانق بعضنا بعضًا ، أو عندما نري من أثقلتهم الأربطة أو أثخنتهم الجراح ..، لم تشهد عيناي مثل هذه المشاهد الربانية من قبل .. كأنما شفت الأجساد ، فلم يعد موجودا سوي الأرواح المشرقة النقية ، ترفرف في ملكوت السماء .. ولم تلبث هذه الأرواح الطاهرة أن انتظمت في صفين متقابلين للتهنئة بالعيد ، ولكن الصفوف تضطرب وتهتز أمام العناق الطويل ، والأشواق الحارة ، والحب الصادق ، والدموع الفياضة ... وتمت سعادتي بلقاء رفعت وعبد السلام وعفيفي وغيرهم من طلائع النور .. لقد رأيت الشيطان يهرب من نفوس زبانية التعذيب فتطأطئ رؤوسها خجلاً أمام زحف النور ، ويسارعون بدورهم إلي عناق الإخوان ، والاعتذار لهم بالأوامر العسكرية .. رأيت أحد السجانة ينتحي جانبًا ، وينتحب في صمت ، يا الله إن لهم قلوبًا كقلوبنا ، يفهمها قائلاً :إن فيكم يا أولاد .. فضيلة .. وهي أنكم تحبون بعضكم البعض."

ويتابع عبد الحليم سرد ذكرياته عن العيد الأخير مع إخوانه في المعتقل فيقول : " الأيام الأخيرة : كانت احتفالات عيد الأضحى هي آخر ما علق بذهني في هذا المكان .. وإكرامًا للعيد وزعوا علينا أرزًا مستقلاً في " قروانة " لكل خمسة ، وكانت اللحمة من نوع جيد تختلف عن قطع الكاوتش التي كانت تأتينا قبل ذلك ، فلم يكن يوزع إلا الكاوتش والعظام ، ونعجب كيف تسرق اللحمة بانتظام وبطريقة جريئة ، حتى إني كنت أتقزز من شكلها فأقوم بغسلها بالصابونة ، ثم أغطها بالطبيخ لتكتسب حرارته ، وكثير من الإخوان كانوا لا يقربونها ، وهي علي العموم لحمة ثيران كبيرة السن ، لا أدري من أين تأتيهم بانتظام .. لقد كانت فرحتنا بالأرز وباللحمة الجديدة هي من مباهج العيد فعلاً .. ويتعطل العمل في يوم العيد فقط .. وكان بالنسبة لنا كأنه أسبوع كامل ملأناه بالمهرجانات الرياضية والمسابقات والتمثيليات ، وتم كل ذلك في سرعة مذهلة ، وفي عمل فني هادف ورائع ، وكنا علي المستوي الإنساني الذي ينبع من ديننا ، فلم نحرم فئة من الاشتراك معنا حتى الشيوعيين .

وأثار ذلك إعجاب ودهشة الجميع ، خاصة الصحافة ممثلة في أبو الخير نجيب رئيس تحرير جريدة الجمهور المصري "

عمر التلمساني فى سجن الواحات

" يحكي الأستاذ عمر التلمساني كيف كان العيد هناك: كان سجن الواحات أكثر سجن استمتعنا فيه بحرية تصرف واسعة.. فزرعنا الرمل جرجيراً وفجلاً وبطيخاً وشماماً... وربينا الدواجن من دجاج وأرانب. وأحضر لنا "محمد حامد أبو النصر " خرافاً لنذبحها في عيد الأضحى، وكنا نصلي الفرائض جماعة ونصلي الجمعة والعيدين، وكنا نتبادل الخطب ودروس الثلاثاء، وكنا نتمنى أن نقضي فترة السجن هناك، ورغم قسوة الجو التي تبلغ 52 درجة في الظل صيفاً و6 درجات تحت الصفر شتاء، ورغم كثرة الثعابين والحيات قد أبعدها الله عنا بالمرة. ولكن عز على عبد الناصر ما كنا فيه، فوزعنا على سجون الوجه القبلي. ومرت السنون وأمضيت من عمري سبعة عشر عاماً في السجون، ولست آسفاً على ما حدث. ولكني شاكر كل الشكر أن ثبتني الله على المحنة دون أن أحني رأسي لظالم. ولأن يموت الرجل واقفاً مرفوع الرأس أمام خصمه أفضل وأشرف من أن يموت جاثياً تحت قدميه. ويا لها من حكمة تتناقلها الأجيال عن أسماء بنت أبي بكر وهي تحث ابنها عبد الله بن الزبير على الرجولة في مفاوضاته مع الحجاج قائلة: " ولضربة سيف في عز أكرم ألف مرة من ضربة سوط في ذل ".

أحمد عبدالمجيد

من المعروف أن أحمد عبدالمجيد كان أحد قادة ماسمى بتنظيم 1965 م وحكم عليه بالإعدام غير أن الحكم خفف عنه وبعض إخوانه ولم ينفذ إلا في الأستاذ سيد قطب وعبدالفتاح إسماعيل ومحمد يوسف هواش.

وحول العيد يحكي في كتابه (الإخوان وعبد الناصر قصة تنظيم 1965) قائلا :"وما أروع وأحلي أيام العيد كذلك في هذا المكان ، حيث البهجة والسرور فيها بصورة لا يمكن أن تتوافر في غير هذا المكان . والنظام في العيد يبدأ بعد صلاة الفجر بالتكبير ولبس الجديد حتى صلاة العيد حيث تقام في ملعب كرة السلة ، يحضرها خلاف الإخوان ضباط وجنود الإدارة ومخبرو المباحث ، وغيرهم من المساجين . وبعد الصلاة وتبادل التهاني ، ينصرف الجميع إلي حيث يشاؤون ، ويقوم كل عنبر بتأدية " نمرة " في أرجاء سجن المزرعة ، مثل تقديم فرح علي الطريقة السكندرية يقدمه الإخوة السكندريون ، أو التحطيب الصعيدي أو غيره.

وحوالي العاشرة تبدأ الزيارات من الأهالي حيث تنزل علينا خيرات الله من مختلف الأطعمة والحلويات والفاكهة والهدايا ، بحيث تزيد كثيرًا عن حاجتنا ، وطوال أيام العيد يكون تناول الطعام جماعيًا لجميع الحجرات الخمس بإشراف إخوة متخصصين في إعداد الطعام وترتيبه وتنسيقه ، وفي مقدمتهم الأخ محمد مهدي عاكف - المرشد العام الراحل . وبعد عصر اليوم الأول أو الثاني يبدأ مهرجان رياضي حافل بالمسابقات والألعاب يستمر إلي ما قبل الغروب ، ويحضره جميع من بالسجن وتكون الحركة فيه بمثابة نادي رياضي بإشراف الأخ عاكف كذلك . وفي صباح اليوم التالي يفتتح مسرح في إحدى الحجرات حافلاً بالتمثيليات الترفيهية والهادفة مع الأناشيد والفكاهات ، وينتهي الحفل مع حلول صلاة الظهر . وهكذا ينتهي العيد كله فرح ومرح مع الإخوة ، والوقت الطيب مع الأقارب في الزيارات.

والمجتمع الصغير الذي ذكرته ، مع أنه مجتمع حبيس مغلق إلا أنه مع ذلك يشعر من عاش فيه بالسعادة والطمأنينة والرضي والاستقرار ، وصدق الله العظيم (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) وتم في هذه الفترة زراعة حديقة بالورود والأزهار أمام العنابر بإشراف الإخوة المهندسين الزراعيين والمزارعين المساعدين لهم ، فكانت تعطي المكان بهجة وسرورًا ومنظرًا جميلاً بألوانها الزاهية المختلفة".

محمد الصروي

ويدلي المهندس محمد الصروي بدلوه في الإخبار عن روعة العيد مع الإخوان ، يقول رحمه الله:"وجاء العيد، وكان يوماً مؤثراً، تذكر الجميع الأهل والأحباب، غير أن إدارة المعتقل نظمت برنامجاً روحياً وسمراً بريئاً حتى تخفف عن الإخوان ما هم فيه. وطفنا بأركان الحزاءات نردد التكبير ونتبادل التهاني.

ويضيف الصروي: في الأعياد كان الأستاذ محمد مهدي عاكف يتولى مسئولية مطبخ السجن، ويقوم بالإشراف على إعداد طعام جيد لجميع المسجونين، وهذا إنجاز كان كبيراً جداً (عدد المسجونين حوالي ألف).. وفي أحد الأعياد قام أحد الضباط بعمل (ترمس) في بيته وأحضره لنا.. فشكرناه على ذلك وظل هذا الضابط على علاقة طيبة جداً بنا حتى بعد إحالته إلى المعاش.

محمد حامد أبو النصر

كان الأستاذ محمد حامد أبو النصر (المرشد الرابع) يقوم بعمل عزومة كبيرة لجميع الإخوان في السجن في العيد وكذلك لإدارة السجن.. ومن هذه العزومات (ديك رومي)!! كبير لكل سبعة من الإخوان، مع فاكهة: رمان منفلوطي حجمه كبير جداً."

الشيخ محمد عبدالله الخطيب

يقول الشيخ عبد الله الخطيب أحد أبرز الدعاة ومن علماء الأزهر الشريف وعضو مكتب الإرشاد :"أن الأعياد مواسم وفيوضات منَّ الله بها على عباده من المؤمنين، والتي غالبًا تأتي بعد عمل؛ فعيد الفطر يأتي بعد 30 يومًا من العبادة وعيد الأضحى يأتي بعد موسم طاعة وفريضة الحج.

و حول ذكرياته مع الأعياد داخل المعتقلات في ثمانية عشر عيدا اعتبر أنه العيد الحقيقي الذي ليس له نظير خارج السجن؛ فهو العيد الذي يصلون فيه ويخرجون بعد الصلاة، كما كان يفعل خليفة المسلمين في موكب كبير يحيي جميع المعتقلين، ويشدُّ من أزرهم ويهوِّن عليهم قسوة المعتقل، ويزيد من فرحتهم بالعيد، بالإضافة إلى الندوات والمحاضرات وحفلات السمر والإسكتشات والمسرحيات التي كان يحضرها الضباط ومأمور السجن ويستمتعون بها.

وعن صلاة العيد وخطبته أشار إلى أنها لا تختلف داخل المعتقل أو خارجه، وإن كانت الخطبة تتركز غالبًا على عاطفة المسلمين وحبهم لدينهم ووحدة الصف والأمة الإسلامية وفرحة العيد.

محمود عزت وتورتة الأرز

يعود الدكتور محمود عزت (الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين آنذاك) بذاكرته إلى عام 1965م؛ حيث حُكم عليه بالسجن عشر سنوات في محنة 1965م، وعمره وقتها 21 عامًا، وكان طالبًا في كلية الطب، ثم حُكم عليه بخمس سنوات عام 1995م.

ويقول د. عزت: العيد فرحة ونعمة، أنعم الله به على هذه الأمة المحمدية، والعيد في السجون مرَّ علينا بعدة مراحل:

في المرحلة الأولى؛ كانت في السجن الحربي بعد اعتقالنا عام 1965م؛ حيث مر علينا فيه أربعة أعياد، ولم يكن بيننا وبين الأهالي أية صلة إلا بعد أن أشيع أن الإخوان قُتلوا جميعًا داخل السجون، وقتها سمحوا للأهالي بزيارتنا؛ حيث تمت هذه الزيارة، وكان بيننا وبين الأهالي سلكان، وبين السلكين حوالي متر ويسير فيه الجنود، فكانت عبارة عن مناداة بيننا وبين الأهل، وسمحوا بدخول بعض الملابس، وعلى الرغم من أننا إما أن نكون في الزنزانة الانفرادي أو الزنزانة الجماعية أو الطوابير؛ إلا أننا كنا نسعد بالعيد لاستشعارنا الفرحة لدى باقي المسلمين؛ حيث كان كل عيد يعقب طاعة لله سواء الصيام أو الحج.

ولم يكن أحد يستطيع أن يمنعنا من الفرحة ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58 يونس).

والمرحلة الثانية؛ كانت في سجن "طره" عنبر الإيراد الذي كان مغلقًا علينا، وأنيسنا فيه العسل والخبز والأرز واليمك (الخضار الطري)، فإذا جاء العيد كنا نقوم بعمل تورتة، ونقدمها هدية للزنازين، وكنا نصنع التورتة من الأرز والعسل والخبز المحروق، فكنا نكبس الأرز في الطبق، ثم نقلبه على طبق آخر، ونزينه بالعسل، ثم نكتب عليه بالخبز المحروق "تقبل الله منا ومنكم وكل عام وأنتم بخير"، وهو ابتكار أدخل الفرحة على الإخوان في يوم العيد، وكان طعمها جميلاً، بفضل العاطفة المصاحبة لهذا العمل.

أما المرحلة الثالثة؛ عندما سمحوا لنا بالزيارات آخر الحبسة، وفي هذه المرحلة كان اهتمامنا الأكبر بالإخوة المتزوجين؛ حيث كنا نعد الهدايا لأولادهم وأسرهم، وندخل الفرحة عليهم يوم العيد الذي يقضون جزءًا منه معنا، وفي بعض الأوقات كانت إدارة السجن تسمح لنا بدخول الورش، فكنا نعمل فيها الفوانيس وحامل المصحف لنقدمه للأسر وقت الزيارة يوم العيد.

وليس ذلك فحسب فكنا نأتي بالمناديل، ونرسم عليها، وكان فارس الحلبة في هذا المجال الأخ الكريم علي نويتو، فكان يرسم لنا تحفًا لا تزال بعضها موجودة لدى الإخوان.

وقبل الخروج بوقت بسيط سمحوا لنا أن نجلس مع الأهالي ونسلم عليهم، فكنا نعد لهم بعض الأناشيد والمسرحيات الطريفة، وبعد دخولنا الزنازين كنا نكمل برنامجنا الترفيهي من أناشيد ومسرحيات، وكان الدكتور محمد بديع منشد السجن يتحفنا ببعض بين الحين والآخر، بالإضافة للأخ سعد سرور عليه رحمة الله.

الحاج لاشين أبو شنب

الحاج لاشين أبو شنب (سُجن في سبتمبر 1981م عن حكم غيابي بـ15 سنة، ثم أُطلِق سراحه بعفوٍ عامٍ من المخلوع "مبارك" عن كل الشخصيات السياسية، إلا أنه اعتُقل مرتين إحداهما في المحكمة العسكرية الأولى للإخوان عام 1995م والتي حكمت ببراءته) يقول: العيد في المعتقلات قد يكون له طعم آخر غير العيد في الحياة العامة، ففي المعتقلات يكون الإنسان بعيدًا عن الأهل والأولاد والأصدقاء؛ لكنه يكن في ألفة حانية وسط إخوانه، وهذا يجعل من العيد مجالاً خصبًا للتعارف والمحبة والتوافق في مجالات متعددة في الحياة.

والإخوان في أعيادهم يحتفلون بها احتفالاً إسلاميًّا من صلوات وأدعية، وتبادل التهاني والتحية، وترتفع الدعوات إلى الله أن يفرج الكرب، ويقضي الإخوان يومهم في هذه الألفة والمحبة، ويزور بعضهم البعض من زنزانة لزنزانة ومكان لمكان، وتأتي عليهم الأعياد أحيانًا في بحبوحة؛ حيث يأتي ذووهم في زيارات استثنائية، وهذا يرسم لونًا من الراحة والطمأنينة.

الدكتور محمود غزلان

برنامج يوم العيد مختلف؛ هكذا قال الدكتور محمود غزلان (عضو مكتب الإرشاد)، والذي حُكم عليه بالسجن 5 سنوات في قضية أساتذة الجامعات عام 2001م، مضيفًا: "إننا في يوم العيد نستيقظ قبيل الفجر لنصليه، ونتأهب لصلاة العيد، وبعدها كنا نقوم بالدوران على ضباط وعساكر السجن؛ لنقدم لهم التهنئة بهذه المناسبة، وبعد ذلك ننتظر زيارة الأهل، وكانوا غالبًا يشاركوننا هذه المناسبة، وبعد انتهاء الزيارة يدخلوننا الزنازين، وفي أحيان كانت الزيارات كثيرة فكانوا يقسموننا نصفين، ويقسمون المدة فيما بيننا، فبعد أن كنا نجلس مدة الزيارة كاملة مع أهالينا كنا نجلس معهم نصف المدة؛ لنعطي الفرصة لباقي إخواننا أن يجلسوا مع ذويهم، كما أن زيارة يوم العيد لم تكن مقتصرة علينا؛ فكانت لكل المساجين الموجودين في السجن، وبعد أن تنتهي الزيارة كان الضباط يسارعون بإدخالنا الزنازين في وقت مبكر؛ حتى يذهبوا لذويهم ليعيدوا عليهم؛ فكنا نقضي باقي اليوم داخل الزنازين ننعم بما جاء به الأهل من خير وفضل، ثم نكمل برنامجنا العادي في الزنازين، وفي بعض الأعياد كانت إدارة السجن تشدد علينا حسب التوجيهات الصادرة لهم، وبالرغم من ذلك كنا نحرص ألا تكدر الزيارة؛ حتى لا يحرم أحد منها، ولا نعكر الجو على أهالينا.

مسعود السبحي

ويصف الحاج مسعود السبحي (سكرتير المرشد العام، والذي قضى ثماني سنوات خلف القضبان في محنة 1965م)؛ العيد بأنه مشاعر متوهجة وعاطفة فياضة بين الإخوان، مضيفًا أن المسلمين أكرمهم الله بعيدين؛ عيد الفطر وعيد الأضحى، ينعمون فيهما بالمتعة والسرور الحلال، فقد أكرمهم بعيد الفطر بعد أن أكرمهم بالصيام، ونحن نفرح بأن يسر الله لنا وأتممنا فريضة الصيام.

والعيد يلهو فيه الصغار، ويتزاور فيه الكبار، وتفرح فيه الأسر وهذه هي الحياة العادية، أما في المعتقلات والسجون؛ فالأمر قد يختلف قليلاً حسب الحال، فإذا كانت الحالة فيها شيء من البحبوحة؛ فالإخوان يقومون بأداء المسرحيات، ويقومون بالتزاور فيما بينهم، وليس ذلك فحسب، بل كان الإخوان يقومون بالمرور على باقي المسجونين؛ ليقدموا لهم التهاني بمناسبة العيد، وكان الإخوان يحاولون إدخال السرور عليهم يوم العيد، وعلى كل الموجودين؛ سواء ضباط وجنود السجن أو المساجين العاديين.

والهدف أننا نعمل لإعلاء كلمة الله؛ سواء كنا داخل السجون أو خارجها، ولن يكون ذلك إلا بالتعاون والتكاتف بين جميع المؤمنين لا أن يعمل كل واحد على "حده".

الحاج محمد نجيب راغب

ويضيف الحاج محمد نجيب راغب الذي اعتُقل بعد أحداث المنشية لمدة عامين، ثم اعتقل مرة أخرى في محنة 1965م، قائلاً: الإخوان يبدأون فرحة العيد منذ دخول رمضان؛ حيث يشمر كل واحد عن سواعده للطاعة، فإذا جاء العيد فرحنا بعبادتنا، وكان لذلك لذة في المعتقلات.

وبعد حادثة المنشية ظن بعض الإخوة أنهم سيخرجون للعيد مع ذويهم؛ لكن ذلك لم يحدث فاجتمعت قلوب الإخوان رغم ما هم فيه من محن يُعيِّدون على بعضهم البعض، ويرسم كل واحد البسمة على وجه أخيه، ويخفف عنه بعده عن أولاده خاصة الإخوة المتزوجين، وكان قادة الإخوان يجتهدون في إدخال السرور على بقية إخوانهم في هذا اليوم.

وكان برنامجنا في هذا اليوم يبدأ بصلاة الفجر كعادتنا، ثم نتوجه لصلاة العيد، وبعدها نقدم التهاني للجميع، ثم نكمل برنامجنا اليومي؛ خاصة أن الزيارات ظلت ممنوعة عنا فترة طويلة، وكنا نوقن أن الله يرعى أولادنا وذوينا في الخارج، ومن أجل ذلك لم نشعر بحزن، بل شعرنا بفرحة العيد كأننا بالخارج.

رزق هنيء .. وضحك بريء

يروي هذه الحكاية الطريفة الحاج عباس السيسي "رحمه الله" فيقول :" كان عيد الفطر أول عيد جاء علينا ونحن فى السجن الحربى، وأعطت إدارة السجن أجازت للجنود (الحراس) وانتدبت بعض الجنود الذين لا خبرة لهم بالتعذيب. وفى صباح أول يوم العيد فتح علينا الزنزانة عسكرى من هؤلاء ومعه صندوق من الخشب به ثلاث تفاحات وحوالى نصف كيلو من الجوز واللوز والبندق، وأغلق علينا الباب ونظرنا إلى هذه المفاجأة ولسان حالنا يقول : (اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا) وقمنا فوزعنا كل واحد منا تفاحة وجزءاً من المكسرات، واتفقنا على أننا نستبقى جزءاً من المكسرات فى جيوبنا حتى إذا خرجنا إلى دورة المياه أعطيناه لإخواننا ظناً منا ألا يكون قد وصلهم شىء من ذلك، وكلما ذهبنا إلى الدورة فى المواعيد المقررة لم نستطع أبداً أن نعطى إخواننا أى شىء حيث الحراسة شديدة متحفزة فنعود على أمل أن نستطيع فى المرة القادمة حتى كان صباح آخر أيام العيد، فتح علينا الزنزانة العسكرى الشرس (على الأسود) وهو مشهور بإجرامه. فوقفنا له تحية تعظيم سلام وهو تقليد معروف فى السجن الحربى وقال لى : (ولد يا سيسى فين صندوق الخشب اللى كان فيه التفاح) فقلت له : (يا فندم ما عرفش أى شىء عن هذا الصندوق) قال : يا أولاد .. لازم تجيبوا هذا الصندوق.

وأخيراً قال أحدنا : إحنا رمينا هذا الصندوق فى الزبالة تحت السلم، فذهب يبحث عنه، فقلت لإخوانى: هيا كل واحد يسرع ويبتلع ما معه من جوز ولوز قبل أن يأتى العسكرى (على الأسود)، فكل واحد منا وضع كل ما معه فى فيه وأخذ يشغل أسنانه وإذا بالعسكرى يأتى غاضباً حيث لم يجد الصندوق.

وقال : يا ولد يا سيسى يا ابن.. فين الصندوق؟ كان فمى مملوءاً فلم أستطع أن أنطق وأقول له أى شىء.. فلطمنى لطمة شديدة على وجهى، فتنطلق المكسرات فى وجهه كالقنبلة واكتشف الأمر وحكم على كل واحد بـ (عشرين كرباجاً) .

وعلمنا بعد ذلك أن الذى أرسل إلينا هذه الهدية هو الرجل الصالح الحاج صادق المزين من الإخوان المسلمين بمدينة غزة شعبة الرمال بفلسطين وحكم عليه بالسجن عشرة أعوام قضاها معنا فى سجن مزرعة طرة".