بدأ نظام المنقلب عبدالفتاح السيسي خطة تقليص أعداد العاملين بالجهاز الإداري للدولة وتوسع في تصفية العاملين وفصلهم أو إحالة أعداد منهم على المعاش المبكر، وذلك خضوعًا لإملاءات صندوق النقد الدولي، وفي الوقت نفسه يرفض العسكر التعيينات الجديدة لتعويض النقص أو العجز الذي ظهر بصورة واضحة في وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب والتي تعاني من نقص كبير في أعداد المعلمين.
وكشقت مصادر مسئولة عن أن هناك برنامجًا سريًّا وضعه "الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة" لتقليص أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة، يهدف إلى خفض أعداد الموظفين الحكوميين إلى نحو 4 ملايين موظف في نهاية عام 2021؛ ما يعني أن خطة العسكر تتضمن الاستغناء عن مليون موظف العام المقبل.
وقالت المصادر: إن ذلك يتم بإجراء تحريات أمنية غير اعتيادية على الموظفين الحاليين، فضلاً عن آلاف الموظفين المحبوسين احتياطيًّا، والذين سافروا في إعارات أو انتدابات خارج مصر بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013 والانقلاب على الرئيس (الشهيد) المنتخب محمد مرسي، للعمل في دول عربية أو خليجية، بهدف إجبارهم على تقديم استقالاتهم وإخلاء عدد كبير من الدرجات المالية والوظيفية في مختلف الجهات الحكومية.
وشهد مجلس نواب الدم ووزارت الخارجية والعدل والتعليم بحكومة الانقلاب، مؤخرًا، وقائع فصل المئات من الوظيفة العامة أو نقلهم إلى هيئات خدمية، لا تتناسب مع خبراتهم أو مؤهلاتهم الجامعية، إثر إجراء تحريات أمنية واسعة على جميع الموظفين العاملين في الجهات "السيادية" في الدولة.
وكان جهاز ما يدعى (الأمن الوطني) التابع لداخلية الانقلاب قد أرسل إلى نيابتي الانقلاب العامة والعسكرية قوائم كاملة بجميع الموظفين الحكوميين المحبوسين احتياطيًّا والملفقة لهم اتهامات في قضايا عنف أو تظاهر أو الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين وأي جماعات أخرى، وتم توزيعها بصورة مقسمة جغرافيًّا على فروع النيابة الإدارية في المحافظات المختلفة، لتفتح الأخيرة - وهي الهيئة القضائية المنوطة دستوريًّا بالتحقيق مع الموظفين - تحقيقات صورية في مدى انتظام عمل هؤلاء الموظفين المحبوسين، ومدى حاجة أعمالهم إليهم، وفي مرحلة لاحقة أُجريت تحريات أمنية تمتد إلى درجة القرابة الرابعة لاستبعاد الموظفين الأقارب للمعتقلين أو المحكومين في قضايا سياسية.
5 ملايين موظف
يشار إلى أن عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة انخفض إلى نحو 5 ملايين موظف في 2017، مقابل نحو 5.8 مليون موظف في 2016، بانخفاض قدره 13.5%، وفق آخر إحصائية للجهاز المركزي العام للتعبئة والإحصاء، ويبلغ بند الأجور في الموازنة العامة للدولة 301 مليار جنيه؛ ما يعادل 18.8% من الموازنة البالغة 1.6 تريليون جنيه.
كان رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي صرح في التاسع من أكتوبر الجاري - في بيان حكومة العسكر أمام برلمان الدم - "لدينا مشكلة أساسية تتمثل بالتوظيف في الجهاز الإداري للدولة، فهناك 5 ملايين موظف في الحكومة، ونحن لا نحتاج أكثر من 40% من هذه الطاقة"، وبالتالي لا سبيل للضغط على حكومة العسكر من أجل فتح باب التعيينات.
ويضم الجهاز الإداري للدولة قطاع العاملين بالوزارات والمصالح الحكومية بأكثر من مليوني موظف، وقطاع الهيئات العامة الخدمية والاقتصادية بنحو مليون موظف، والأخير قطاع الإدارة المحلية بأكثر من مليوني موظف.
وأوقفت حكومة العسكر التعيينات داخل الجهاز الإداري للدولة، إلا من خلال اشتراطات قاسية، ضمن قانون الخدمة المدنية الذي أقرّه برلمان الدم في 2016؛ ما يسمح بالتقاعد ولا يسمح بإحلال موظفين جدد، ويُحال نحو 180 ألف موظف على المعاش سنويًّا.
وحتى وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب ترفض تعيين آلاف المعلمين لسدّ العجز في المدارس، وفى المقابل قرر وزير التعليم الانقلابي طارق شوقي، مطلع الشهر الجاري، فتح باب التعاقدات المؤقتة لمدة عام واحد فقط، قابلة للتجديد لمدة عامين فقط لتوظيف 120 ألف معلم، وهي تعاقدات صورية لا تتضمن أي حقوق للمتعاقدين.
احتجاجات عمالية
ويصرُّ نظام العسكر على تنفيذ خطته التدميرية لقطع أرزاق ولقمة العيش بالنسبة لملايين المصريين، رغم ما تشهده البلاد من احتجاجات عمالية، كان أبرزها خلال الأسبوع الجاري في اثنتين من كبريات الشركات؛ هما الشرقية للدخان، ويونيفرسال للصناعات الهندسية؛ للمطالبة بحقوقهم.
وتأتي هذه الاعتصامات رغم القبضة الأمنية، ومنع الاعتصامات والإضرابات في الشركات والمصانع.
ويتواصل اعتصام أكثر من 4 آلاف عامل بمصانع يونيفرسال بالسادس من أكتوبر لليوم الثاني عشر؛ للمطالبة بوقف عمليات تعطيل العمل بالشركة، وتسريح مئات العمال، وعدم صرف مستحقاتهم.
وألقت ميليشيات الانقلاب القبض على 28 عاملاً وعاملة؛ إثر مشاركتهم في اعتصام شركة الشرقية للدخان، وسط انتقادات منظمات عمالية وحقوقية، ولفقت لهم النيابة العامة اتهامات بالامتناع عن العمل، والتحريض على الإضراب وتعطيل العمل.
ونجح عمال شركة الشرقية في إجبار الإدارة على الاستجابة لمطالبهم؛ حيث قالت الشركة في بيان: إن مصانعها عادت للعمل بشكل كامل بعد إنهاء إضراب العمال، الذي استمر لمدة خمسة أيام؛ للمطالبة بزيادة الحافز اليومي للعمال، ورفع سقف الحافز الجماعي، وزيادة بدل الوجبة 20% على الأقل، وطلبات أخرى.
مسار إجباري
من جانبه، أكد مسئول كبير في وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري أن هناك خطةً واضحةً وضعتها حكومة الانقلاب؛ تهدف إلى خفض عدد موظفي الدولة، والذي يستنفذ نحو 20% من موازنة الدولة في كل عام دون استفادة حقيقية من العدد، على حد تعبيره.
واعترف المسئول - الذي طلب عدم ذكر اسمه - بوجود مصاعب في التعامل مع ملف الموظفين في الجهاز الإداري للدولة؛ بسبب زيادة الأعداد، وترهل الجهاز، وعدم وجود بيانات وإحصائيات دقيقة عن أعداد وحالات الموظفين ومدى الحاجة إليهم من عدمه.
وأوضح أن خطة حكومة الانقلاب تتضمن مسارين مختلفين لتقليص عدد الموظفين؛ أحدهما مسار إجباري تحدده مواد بالمادة 69 من قانون الخدمة المدنية، والثاني اختياري تحدده المادة 70 من نفس القانون المشار إليه.
وقال: إن المسار الاختياري هو المادة 70 المتعلقة بالتقاعد المبكر عند سن 50 وسن 55، وهناك آليات تم اتخاذها منذ ما يقرب من 3 سنوات؛ أي منذ صدور قانون الخدمة المدنية الجديد وأحيل على المعاش المبكر عند سن 50 أو 55 سنة حتى بداية العام الجاري نحو 11 ألف موظف بالفعل.
وحول وقف التعيينات، أشار المصدر إلى أن التعيينات الجديدة لم تتوقف، لكن المادة 12 من قانون الخدمة المدنية تضع لها ضوابط وشروطًا تقيدها، موضحًا أن القانون اشترط قبل تعيين أي موظفين أنه يجب أن تعد الجهات المخاطَبة بقانون الخدمة المدنية خطة موارد بشرية دقيقة ومحسوبة بدقة؛ حتى يستطيع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة - وهو المنوط به منظومة الإشراف الكامل على منظومة التعيينات الجديدة - أن يقر أن جهة معينة هي في احتياج لموظفين فيعلن عن الوظائف المتعلقة بها.
خطة خبيثة
وتعليقًا على تسريح العمال، حذر طارق مرسي، عضو لجنة القوى العاملة في مجلس الشورى السابق، من مواصلة الانقلاب تنفيذ هذه الخطة الخبيثة، مؤكدًا أن من حق العمال في الدفاع عن مطالبهم المشروعة.
وقال مرسي - في تصريحات صحفية -: "العمال إن لم يقفوا وقفة قوية في وجه هذا النظام الذي يتعامل مع كافة الشعب بقوة السلاح وقوة الدبابة، فسوف تُسلَب جميع حقوقهم، ويتم تصفية شركاتهم، وتسريحهم".
وأوضح أن نظام الخائن السيسي "يخشى اعتصامات العمال؛ لأنهم يعلمون جيدًا أن العمال كان لهم دور كبير في إنجاح ثورة 25 يناير، التي قامت تحت شعار (عيش حرية عدالة اجتماعية)، لكن عمال مصر دفعوا ثمن هذا الشعار" مشيرًا إلى أن العمال "هم وقود الثورة، ولن يسقط الانقلاب إلا بثورة، وإن كانت النخبة تسعى للثورة فيجب ألّا تُهمل دور العمال؛ لأنه لا تقوم ثورة في مصر إلا بالعمال والطلبة".
ودلَّل مرسي على حديثه بالقول: "لذلك قام النظام باعتقال عدد كبير من الرموز العمالية، سواء من الإخوان أو اليساريين أو الاشتراكيين الثوريين والرموز العمالية؛ للقضاء على التحركات العمالية".
رسالة سلبية
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب في توجه حكومة العسكر الأخير نحو التوسع فى تسريح العمال والاعتصامات العمالية رسالة سلبية للاستثمار المحلي والأجنبي.
وقال عبدالمطلب - في تصريحات صحفية - إن الاستثمار الأجنبي المباشر عادة يبحث عن الاقتصاد الذي يحقق له أقل تكاليف ممكنة وأكبر قدر من الأرباح.
وأضاف أن الاستثمار يحصل على احتياجاته من الأيدي العاملة الماهرة والمدربة من الاقتصاد الذي يذهب إليه، وبالتالي إذا لم يجد هذه العمالة أو كانت هناك قلاقل واعتصامات وإضرابات فلن يأتي.
وحذر عبدالمطلب من تخفيض حكومة الانقلاب إنفاقها على التعليم أو الصحة، أو وقف عرض الوظائف في قطاعاتها وأجهزتها ووحداتها الإدارية، مؤكدًا أن ذلك لا يساعد على تحفيز الاستثمار.