مع تزايد أحكام الإعدام التي يصدرها قضاة العسكر تصاعدت حدة الانتقادات لنظام الانقلاب الدموي في الداخل والخارج ووصف حقوقيون هذه الأحكام بالمعيبة والعدوانية، مشيرين إلى أن نظام العسكر يلجأ إلى أسلوب انتزاع الاعترافات تحت وطأة التعذيب ويلفق الاتهامات.
وحمّل الحقوقيون السلطة العسكرية المسئولية الكاملة عن هذه الأحكام التي لم يسبق لمصر أن شهدتها طوال تاريخها، مؤكدين أن سلطة المنقلب السيسي يعمل على ترهيب المعارضة والرفض الشعبي الواسع لانقلابه بتلك الأحكام.
كانت محكمة جنايات القاهرة، قد أحالت مؤخرًا أوراق 7 معتقلين إلى مفتي الانقلاب لإبداء الرأي الشرعي في إعدامهم، في الهزلية المعروفة إعلاميا بـ"خلية ميكروباص حلوان".
وحددت المحكمة جلسة 12 نوفمبر المقبل للنطق بالحكم على جميع المعتقلين على ذمة الهزلية والبالغ عددهم 32 شخصًا.
وكانت النيابة العامة للانقلاب قد لفقت للمعتقلين اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية أسست على خلاف أحكام القانون والدستور، وحيازة أسلحة ومفرقعات، وتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية، والقتل العمد لأفراد الشرطة.
كما لفقت لهم اتهامات باغتيال ضابط و7 أمناء شرطة من قسم شرطة حلوان، وارتكاب عمليات إرهابية بمنطقة المنيب، وقتل العميد علي فهمي رئيس وحدة مرور المنيب، والمجند المرافق له، وإشعال النار في سيارته، فضلاً عن اتهام باغتيال أمين شرطة أحمد فاوي، من قوة إدارة مرور الجيزة، بكمين المرازيق، والسطو المسلح على مكتب بريد حلوان، وسرقة مبلغ 82 ألف جنيه وذلك في 6 أبريل 2016.
من جانبها رصدت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" صدور أحكام إعدام بحق 42 معقلاً في 13 هزلية مختلفة، في سبتمبر الماضي، بجانب 21 آخرين في 5 هزليات تمت إحالة أوراقهم إلى المفتي.
1500 حكم
وبمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام الذي يحل يوم 10 أكتوبر من كل عام دشنت 6 منظمات حقوقية مهتمة بملف حقوق الإنسان حملة تحت عنوان "أوقفوا تنفيذ الإعدام في مصر"، وطالبت نظام العسكر بوقف إصدار الأحكام وتنفيذها.
وقالت المنظمات الستة - في بيان لها - إنه منذ الانقلاب العسكري منتصف العام 2013، أصدرت سلطات الانقلاب نحو 1500 حكم بالإعدام بحق قيادات جماعة الإخوان المسلمين ووزراء ومسئولين سابقين في حكومة الرئيس الشهيد محمد مرسي، إلى جانب المئات من أنصاره، في محاكمات مسيسة ومخالفة للقانون، وفي ظل تعرض المعتقلين للإخفاء القسري وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب.
وبحسب الحملة، "تجاوزت أحكام الإعدام التي باتت نهائية الـ86 حكمًا بعد استنفاد جميع الإجراءات القانونية والتقاضي، كلها أحكام جائرة مسيسة بحق معارضين؛ حيث تشهد مصر انتقادات حقوقية عالمية لما تحمله هذه المحاكمات من عوار قانوني واستناد المحاكمة إلى أدلة وهمية وإخفاء قسري وتعذيب قال المعتقلون إنهم تعرضوا له لانتزاع اعترافات منهم بجرائم لم يرتكبوها.
وكشفت الحملة عن أن هذه الأحكام بالإعدام صدرت من دوائر غير قانونية فيما يسمى دوائر الإرهاب ومحاكم عسكرية تفتقر إلى أدنى معايير المحاكمات العادلة، كما وثقتها التنسيقية المصرية للحقوق والحريات والمنظمات الدولية وغيرها من المنظمات الحقوقية.
شاركت بالحملة مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان- JHR – إسطنبول، بالتعاون مع منظمات منظمة آفدي الدولية (AFD International) – بروكسل، ومركز الشهاب لحقوق الإنسان (SHR) – لندن، ومنظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان (SPH) – لندن، والائتلاف الأوروبي لحقوق الإنسان (AED) – باريس، ومنظمة هيومن رايتس مونيتور (HRM) – لندن.
وطالبت المنظمات بوقف تنفيذ أحكام الإعدام، مؤكدة أنها أحكام صادرة بالمخالفة لضمانات المحاكمة العادلة.
وقال محمود جابر، مدير مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان: إن هذه الحملة انطلقت من باريس في مايو 2018، لأجل وقف تنفيذ أحكام الإعدام في مصر، وللعام الثاني على التوالي تستمر الحملة في تطوير فعالياتها وممارسة الضغط على نظام العسكر لأجل وقف تنفيذ أحكام الإعدام.
وأكد أن أحكام الإعدام التي تم تنفيذها بلغت 52 حكما؛ حيث تم إعدام مواطنين تمت محاكمتهم أمام قضاء غير مختص وتعرضوا للتعذيب والإكراه على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها.
وحول خطوات الحملة، أوضح جابر أن الحملة تستغل مناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، لأجل تسليط الضوء على الأحكام الجائرة، لافتًا إلى أنهم يريدون تعاطفًا شعبيًا ودوليًّا مع ضحايا الإعدام في مصر.
وأشار الى أن الحملة تعمل على مخاطبة الهيئات الدولية والإقليمية لأجل إلغاء عقوبة الإعدام في مصر؛ لأنها تستخدم لتصفية الحسابات السياسية مع خصوم سلطة الانقلاب.
وأضاف جابر أن هناك وفدًا سيلتقي بمجموعة من البرلمانيين الأوروبيين لأجل وقف دعم أوروبا لنظام السيسي اقتصاديًّا وسياسيًّا، لعدم احترامه الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وقال إن الحملة تطالب الاتحاد الأوروبي بوقف دعمه لسلطات الانقلاب؛ كونها ترتكب جرائم ضد الإنسانية، في محاولةٍ للسعي لوقف تنفيذ حكم الإعدام في حق 84 مواطنًا رهن الإعدام في مصر.
وختم مدير مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، بقوله: "نقول للعالم أوقفوا الإعدامات في مصر".
ألاعيب المخابرات
واستنكر المستشار أيمن الورداني الإعدامات التي ترتكب بحق شباب مصر، سواء من خلال تنفيذ حكم الإعدام، أو التصفية بشكل غير قانوني، قائلاً: "لا شك أن الانقلاب يعاني من الفشل الأمني الذي يلجأ لمعالجته باتهام أبرياء بتوجيه ضربات أمنية لجهازي الشرطة والجيش، منتقدًا دموية الانقلاب في تقديم صور لمختفين قسريًّا، باعتبارهم مرتكبي تلك الواقعات ليحقق بذلك ثلاثة أهداف.
وقال الورداني: إن الهدف الأول هو التخلص من هؤلاء الأشخاص وتصفيتهم كمعارضين، والثابت ببلاغات رسمية اختفاؤهم قسريًّا بعد القبض عليهم، وقبل ارتكاب تلك الحوادث بفترة زمنية.
وأضاف: الثاني تقديمهم إلى المجتمع باعتبارهم إرهابيين لتدشين الصورة الذهنية للعوام بشأن استمرار خطر التطرف الديني، والثالث بث روح الكراهية بين الأجهزة الأمنية، وتلك الطائفة من أبناء المجتمع وصولاً إلى نزع أي شعور بالندم بالقبض عليهم أو تعذيبهم وتصفيتهم دون محاكمات عادلة؛ بحجة مقاومة الإرهاب الذي بات يمثل خطرًا يهدد حياة أفراد تلك الأجهزة المنوط بها تنفيذ تلك الأوامر.
واتهم الورداني سلطات الانقلاب وعلى رأسها أجهزة المخابرات بتدبير مثل تلك الحوادث لكسب الرأي العام، خاصةً عند مواجهة الانقلاب بعض التحديات التي تتعلق بالحكم والاستمرار في السلطة، محملاً إياها مسئولية قتل وتعذيب وإخفاء مئات الشباب.
وانتقد الدكتور السيد أبو الخير، خبير القانون الدولي، إصرار نظام الانقلاب على تنفيذ أحكام الإعدام رغم النداءات الحقوقية، وعدم مبالاته بما يوجه له من اتهامات دولية حول سجله بحقوق الإنسان.
وقال إنه كعادة الدول التي تتحالف مع أمريكا والكيان الصهيوني لا تهتم بالرأي العام العالمي اعتمادًا على أنهما يضمنان عدم المساءلة عن جرائم تلك الأنظمة لتحكمهما بالوسائط الإعلامية الدولية والإقليمية.
وأضاف أبوالخير أن تجاهل النظام الانقلابي النداءات الدولية وتنفيذ أحكام الإعدام يدل على أنه من رأسه لأخمص قدميه مصاب برعب وخوف شديدين، مشيرا إلى أن سلطة الانقلاب تسعى لإرهاب الشعب المرعوب أصلاً لضمان عدم عودته للثورة ثانية.
وأكد أن الصمت الغربي وتجاهل السيسي النداءات الحقوقية يكشف عن زيف ادعاءات المبادئ التي يرفعها الغرب، معتبرًا أن الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان يأخذها الغرب تجارة رابحة للضغط على الدول واستحلابها ويستخدمها قادته سياسيًّا حتى تخضع الدول لرغباتهم.
تصريح بقاء
واستبعد محمد سودان، أمين لجنة العلاقات الخارجية في حزب "الحرية والعدالة"، أن تكون تلك الحوادث التي يؤخذ بها الأبرياء فشلاً أمنيًا، مؤكدًا أن الكثير من التفجيرات التي يتهم فيها هؤلاء من تدبير المخابرات العسكرية.
وقال سودان: إن ما يسميه عبدالفتاح السيسي محاربة الإرهاب هو تصريح ببقاء انقلابه على "الحكم"، ثم إنه المبرر الوحيد أمام المجتمع الدولي للتنكيل بمعارضيه؛ ما يعني أن مصر كلها تدفع ضريبة بقاء هذا الفاشي على سدة الحكم؛ إما قهرًا وتنكيلاً أو قتلاً وتعذيبًا.
واعتبر أن ما يحدث في سيناء من فوضى أمنية هو التهجير القسري لأهل سيناء، وابتذال أهلها، واغتصاب بناتها ونسائها من قبل ضباط وجنود الجيش والشرطة، محملاً النظام الانقلابي مسئولية كل هذه الجرائم ضد الإنسانية وضد الشعب المصري من إخفاء قسري وحبس دون تهمة وإصدار أحكام إعدامات بالجملة ضد الأبرياء، وقال: يومًا ما سيُحاكَم هذا الطاغية كما حوكم أسلافه.
وتابع سودان: "آن الأوان أن يستفيق الشعب وينهض ضد هذه الطغمة العسكرية الفاشية التي تقود مصر إلى الهاوية، محذرًا أن هذا الظلم سيطال كل بيت في مصر إذا ظل الشعب في هذا السبات".
وطالب المصريين الموجودين بالخارج بالتحرك بشكل أوسع مع البرلمانات الدولية لتوصيل هذه الجرائم بوضوح حتى يضغطوا على حكوماتهم المؤيدة لهذا السفاح.