أزمة العجز الكبير فى المعلمين في عهد الانقلاب العسكري - التي تصل إلى 320 ألف معلم - تهدد بانهيار العملية التعليمية واستبدال مراكز الدروس الخصوصية "السناتر" بالمدارس بما يؤدي في النهاية إلى خصخصة التعليم وإنهاء أسطورة المجانية وحرمان أبناء الفقراء من الالتحاق بالمدارس.
الأزمة ترجع في الأساس إلى رفض نظام الانقلاب تعيين معلمين جدد خضوعًا لإملاءات صندوق النقد الدولي وإصدار ما يعرف باسم قانون الخدمة المدنية؛ لتقليص أعداد العاملين في الجهاز الإداري للدولة.
كانت أزمة عجز المعلمين بالمدارس قد تصاعدت بمختلف المراحل التعليمية، خاصة المرحلة الابتدائية ورياض الأطفال، وهو ما تسبب في حالة من الغضب بين المعلمين نتيجة زيادة نصاب الحصص المدرسية لنحو 30 حصة أسبوعيًا.
وسادت حالة من الغليان بين أولياء الأمور نتيجة عدم استفادة التلاميذ باليوم الدراسي وزيادة عدد الحصص الاحتياطية، خاصة طلاب رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية بالفصول الملحقة بالمدارس الرسمية لغات والمدارس الحكومية، وعدم تمكن الطلاب من التحصيل المدرسي بالنظام التعليمي الجديد، خصوصًا مع عدم استكمال تسليم الكتب الدراسية.
وسيطرت حالة من الارتباك داخل المدارس والإدارات التعليمية نتيجة عجز المعلمين ومحاولة سد العجز بمختلف الطرق.
وعمّمت المديريات التعليمية منشورًا لجميع موجهي المواد العلمية بسد العجز بأنفسهم والتدريس للطلاب داخل الفصول بالمدارس التي تواجه عجزا فادحًا في المعلمين.
يشار إلى أن عدد المدرسين في التعليم قبل الجامعي يبلغ 1.19 مليون مدرس عـام 2017-2018، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ولجأت وزارة التعليم بحكومة الانقلاب إلى تعيين 120 ألف معلم بعقد "مؤقت"، لا يترتب عليه أي حقوق للمعلم، ويمكن للعقد أن يتجدد لمدة ثلاث سنوات.
عجز صارخ
من جانبه أكد خلف الزناتي، نقيب المعلمين، أن هناك عجزًا صارخًا في المعلمين بالمدارس، ولا يستطيع أحد حصر نسبة هذا العجز حتى الآن، موضحًا أن الحل أن تبدأ وزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب في تعيين المزيد من المعلمين.
وناشد "الزناتي" - في تصريحات صحفية - جميع المديريات التعليمية البدء فى تعيين خريجي كليات التربية أولًا؛ حيث إن التدريس تخصصهم منذ البداية، كما أنهم ليس لديهم وظيفة أخرى سوى التعليم.
وطالب بضرورة تدريب المعلمين الجدد بشكل قبل بدء أي عام دراسي؛ تجنبًا لوقوعهم في الأخطاء الدراسية والتربوية، مشددًا على ضرورة زيادة رواتب المعلمين؛ إذ إنه حتى الآن لم تتم أي زيادة منذ عام 2014.
وقال الزناتى إن فلسفة العقود المؤقتة خاطئة؛ لأن المدارس تحتاج بالفعل إلى عدد كبير من المعلمين، منوهًا بأن جميع المعلمين الجدد سيتم منحهم عضوية النقابة بشكل مؤقت حالهم كحال معلمي المدارس الخاصة لحين تعيينهم بشكل نهائي، وما ينطبق عليهم ينطبق على أي عضو.
حلول فاشلة
واعترف مصدر مسئول بوزارة التربية والتعليم بحكومة الانقلاب أن كل الحلول التي اتخذتها الوزارة "الانقلابية" لسد عجز المعلمين بالمدارس فشلت في حل الأزمة بشكل حقيقي؛ لكونها اعتمدت على المسكنات وليس الحل الجذري.
وقال المصدر- في تصريحات صحفية - إن الوزارة لجأت لزيادة نصاب الحصص للمعلمين وزيادة العبء عليهم، وهو ما نتج عنه أداء سيئ مردود على استيعاب الطلاب وتحصيلهم نتيجة إجهاد المعلمين بسبب العمل 6 حصص يوميًا.
وأضاف: "لجأت الوزارة لموجهي المواد للتدريس للطلاب، رغم ابتعادهم عن الشرح بالفصول لسنوات عديدة، كما لجأت إلى معلمي الأنشطة والأخصائيين الاجتماعيين ووصل الأمر للاستعانة بالإداريين والهيئات المعاونة".
وتابع المصدر أن "الوزارة لجأت لمعلمي القوافل التعليمية لمحاولة سد العجز، وكذلك طالبت المتطوعين بفصول المشاركة المجتمعية وشباب الخدمة العامة لسد عجز المعلمين"، مشيرًا إلى أن قرار وزارة التعليم بحكومة الانقلاب بالسماح للمديريات التعليمية بالمحافظات التي تعاني عجزًا بالتعاقد اللامركزي مع المعلمين بنظام المكافأة الشاملة لم تنجح في حل المشكلة نتيجة عدم وجود مخصصات مالية بالمحافظات أو بندًا بالصناديق المحلية لهذا الشأن.
وشدَّد على أن "كل تلك الحلول لن تجدي طالما لا توجد خطة كاملة لفتح باب التعيين لخريجي كليات التربية المتخصصين ورفع شأن المعلم ماليًا ومعنويًا"، مشيرًا إلى أن الوزارة لجأت لمجلس وزراء الانقلاب في محاولة لحل الأزمة وفي انتظار رد المجلس.
فاشية العسكر
وقال طارق مرسي، عضو لجنة القوى العاملة بمجلس الشوري السابق: "أعتقد أنه لا يمكن أن نناقش أزمة المعلمين بمعزل عن الأزمة الكبرى التي يعيشها الوطن والشعب بأكمله، كما ينبغي ألا نفسر أبدا الانهيار الكامل والوضع المزري للتعليم بعيدًا عن الوضع السياسي لمصر الانقلاب؛ باعتبار أن الانهيار في كل شيء هو نتاج طبيعي وبديهي للعسكر ومتلازمة من متلازماته".
وأوضح أن أزمة التعليم والمعلمين هي إحدى صور الفاشية العسكرية واستبداده، فالعسكر وجنرالاته معنيون بداية بعنصرية مقيتة ضد كل ما هو علمي ومهني أو حتى مدني، فضلا عن ممارسة الإقصاء والانتقام من كل فكر، خاصة ما يمت بصلة لثورة يناير أو الإخوان المسلمين أو الشهيد الدكتور محمد مرسي الرئيس العَالِم الذي انقلبوا عليه وقتلوه.
وحذر مرسي من أن كل هذه الخباثة والسقط لن تؤدي بالوطن إلا لمزيد من الانتكاس والتردي، وستقضي على أي أمل في الاستقرار أو البناء.
واعتبر أن إحدى وسائل استبداد العسكر في الإلهاء وربما الانتقام هو زرع الفتنة بين أبناء الوطن وبين زملاء المهنة، وهو ما يحدث في العموم وظاهر بامتياز في أزمة المعلمين، وفصلهم، وفصل غيرهم في باقي القطاعات.
250 ألف فصل
وكشف علي اللبان، خبير تربوي، عن أن "أزمة نقص المعلمين واستغلال حاجة الشباب للعمل برزت في خروج مجموعة المعلمين، بعد عملهم لثلاث سنوات بعقود مؤقتة بسبعين جنيها فقط، للمطالبة بالتثبيت، مؤكدا أن هذا يعكس حالة اللامبالاة والاستخفاف بالعملية التعليمية.
واعتبر اللبان أن تكرار تجربة المعلمين المؤقتين، تمثل إهدارا للكرامة الإنسانية؛ حيث تستغل حكومة العسكر حاجتهم للعمل، بهدف تقليص عدد موظفي الدولة، مشيرا إلى أن ما يفعله نظام السيسي الخائن هو محاولة للهروب للأمام بتصدير مشكلة الإرهاب والإخوان.
وقال إن نظام السيسي المنقلب يحاول أن يلفت نظر الناس عن الأزمة الداخلية التي يمر بها، دون التطرق للنقص في الفصول، والذي يصل لـ250 ألف فصل، إضافة إلى عجز موازنة التعليم وعدم زيادتها بما يتماشى مع زيادة الطلاب، فيما انصب جهده في محاربة المعلمين وقطع أرزاق آلاف الأسر؛ بدعوى تبنيهم أفكارا مغايرة وآراء مختلفة.
وأشاد اللبان بموقف نقابة المعلين بالأردن، قائلا: "في اليوم العالمي للمعلم، أهنئ جميع المعلمين، ونشيد بأداء نقابة المعلمين بالأردن التي دافعت عن حقوق معلميها"، لافتا إلى أن "ميثاق الأمم المتحدة يؤكد على كرامة المعلم ومكانته وحقه في العيش عيشة كريمة.