تواجه سلطة الانقلاب انتقادات محلية ودولية عقب قمع مظاهرات الجمعة الماضية - التي دعا إليها رجل الأعمال محمد علي - بالحديد والنار والاعتقالات العشوائية وإغلاق الشوراع والميادين ومحطات المترو وتحويل القاهرة إلى ثكنة عسكرية.

ولم يتوقف مسلسل الديكتاتورية والتضليل عند هذا الحدّ، بل لجأت حكومة الانقلاب إلى حشد موظفين ومجندين وفنانين ومطبلاتية للخروج في مظاهرات مؤيدة لقائد الانقلاب السيسي في منطقة النصب التذكاري بمدينة نصر، الذي يواجه موجة غضب شعبية عارمة.

كما واصلت وسائل الإعلام التابعة للخائن السيسي حملتها المضادة لدعوات التظاهر، محذرة من "الفوضى"، واتهمت جماعة الإخوان المسلمين بأنها وراء كل هذه الدعوات التي من شأنها أن تؤدي - حسب مزاعمها - إلى "نسف الاستقرار الذي تحقق منذ انقلاب السيسي على الشهيد محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب".

ورغم كل هذا القمع خرجت مظاهرات تطالب برحيل قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي في الوراق والصف بمحافظة الجيزة، وفي حلوان بالقاهرة، بالإضافة إلى مظاهرات في محافظات الإسكندرية والمنيا وسوهاج وقنا والأقصر واستخدمت ميليشيات داخلية السيسي قنابل الغاز من أجل تفريق المتظاهرين وطاردتهم في الشوارع الجانبية، واعتقلت العشرات منهم.

وكشفت صور ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي عن فضائح العسكر في إجبار الموظفين على المشاركة في مظاهرات مؤيدة للسيسي وتوزيع حكومة الانقلاب على هؤلاء المجبرين مبالغ مالية ووجبات غذائية وتوفير أتوبيسات لنقلهم.

من جانبه قال سامي عنان المتحدث باسم رئيس أركان الجيش المصري الأسبق المعتقل في تغريدة على منصة "تويتر" منسوبة إليه: "استخدم السيسي مكونات الدولة المصرية لهدم الدولة المصرية"، واعتبر إجبار موظفي الدولة ومجندي الأمن المركزي قسرًا للتظاهر، وإنفاق ملايين لا حصر لها على طبالين وراقصين ومنصات من خزينة الدولة، سلسلة جرائم طويلة تحتم مقاومة مجرم وعصابة يختطفون مصر بكل السبل".

وانتقد المتحدث باسم عنان في تغريدة أخرى إذلال الشعب المصري لهذا الحد بإفقاره، ثم توزيع الطعام عليه مقابل تأييد السيسي، واصفًا ذلك بأنه وصمة عار بجبين كل من شارك ويشارك بهذه الجريمة الشنعاء بحق شعب مصر، سواء من الجيش المصري أو من المدنيين المتربحين من النظام الانقلابي، فهذه جريمة تدمير بلد كان يومًا عظيمًا".

خرائط "جوجل"

وفضحت خرائط "جوجل" نظام الانقلاب العسكري ونشرت خريطة تكشف عن قطع الطرق المؤدية إلى ميدان التحرير مع الموعد المعلن لانطلاق مظاهرات شعبية حاشدة تنادي برحيل السيسي.

ووثقت مقاطع فيديو وصور من قبل مواطنين ظهور قوات ضخمة تنتشر في مناطق حيوية من العاصمة، منها ميدان رمسيس، وأشارت إلى أنه رغم هذا التحشيد لقمع المظاهرات، الذي سبقته تشديدات أمنية غير مسبوقة، وحملة اعتقالات طالت نشطاء وسياسيين وأساتذة جامعات، فإن عددًا من المحافظات شهدت خروج مظاهرات بعد صلاة الجمعة استمرت حتى المساء، تُنادي برحيل عبدالفتاح السيسي.

وأظهرت مقاطع فيديو بثها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي ونقلتها وسائل إعلامية الآلاف من المصريين المنادين بإسقاط سلطة الانقلاب.

وأطلق المحتجون هتافات ضد السيسي، منها: "ارحل يا بلحة"، و"الشعب يريد إسقاط النظام" و"الخاين لازم يمشي"، إضافة إلى تمزيق لافتات مؤيدة للسيسي في مركز قوص بمحافظة قنا.

مجموعات ملثمة

ورصدت مواقع التواصل الاجتماعي أساليب جديدة استخدمتها ميليشيات أمن الانقلاب لقمع المتظاهرين السلميين.

وقال شهود عيان، عبر حساباتهم على مواقع التواصل: إن ميليشيات أـمن الانقلاب بالقاهرة، قامت بعملية انتشار مكثفة ومتتابعة، ليس في الميادين الرئيسية، بل في الشوارع الجانبية والفرعية، لمنع أي شكل من أشكال التجمع أو التظاهر.

وأكدوا أنهم شاهدوا إدارات أمنية جديدة، وخطط انتشار أمني غير مسبوقة، مع اختفاء واضح لصفوف جنود الأمن المركزي المعتادة "البلوكات" التي تم استخدامها لمواجهة الاحتجاجات في يناير 2011،

وأضاف الشهود أن خطط الانتشار كانت عبارة عن عدة مجموعات أمنية مخيفة، بعضها ملثم، تسير بشكل متتابع في الشوارع بمدرعات ومصفحات، مع استخدام صافرات الشرطة بشكل متواصل لإرهاب المارة بالشوارع وحتى داخل البيوت.

وأشاروا إلى أن أجهزة أمن الانقلاب قامت بممارسات قمع وإرهاب لكل من يسير بالشارع، إما بالسب والإهانة، أو الاعتقال، إلى جانب القيام بعمليات اعتقال عشوائية من أمام المساجد عقب صلاة الجمعة، لافتين إلى أنهم قاموا بغلق المقاهي وعدد كبير من المطاعم وفرضوا حظرًا على حركة سيارات النقل بالمواقف والشوارع الرئيسية، إلى جانب إغلاق محطات مترو الأوبرا والسادات وعبدالناصر وعرابي القريبة من ميدان التحرير.

وأوضح شهود العيان أن آلاف المتظاهرين خرجوا بالفعل للمشاركة في المظاهرات التي تطالب برحيل السيسي المجرم، لكنهم لم يتمكنوا من التجمع نتيجة لتحول القاهرة إلى ثكنة عسكرية، فعادوا إلى منازلهم خوفًا من الاعتقال "بلا ثمن".

دعوة أممية

من جانب آخر دعت الأمم المتحدة سلطات العسكر إلى "تغيير جذري" في طريقة تعاطيها مع المظاهرت المندلعة في البلاد.

وقالت "ميشيل باشليه"، رئيسة المفوضية العليا لحقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، في بيان لها: إنه على سلطات العسكر القيام بـ"تغيير جذري" في أسلوب تعاملها مع التظاهرات، مطالبة بالإفراج "فورًا" عن المعتقلين الذين مارسوا حقهم في التظاهر.

وأضافت: أحث سلطات العسكر على إعادة النظر بشكل جذري في نهجها تجاه أي احتجاجات في المستقبل.

وتابعت: يجب أن يكون أي رد من جانب قوات الأمن متسقًا مع القواعد والمعايير الدولية المتعلقة بالحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، فضلاً عن العدالة.

إعلام العسكر

وحول الصورة التي يحاول مطبلاتية العسكر تصديرها للشعب بأن المظاهرات فوضى وممولة من الخارج، انتقدت المنظمة العربية لحقوق الإنسان - ومقرها بريطانيا - أداء إعلاميي السيسي في التعاطي مع الاحتجاجات، مؤكدة أنهم تعمدوا "شيطنة" التظاهرات المناهضة للسيسي، وإقناع المصريين أن وراءها "مؤامرة كونية" ضده.

واستنكرت قيام قناة "إم بي سي مصر"، وعبر برنامج "الحكاية" الذي يقدمه عمرو أديب، نشر فيديوهات "اعترافات لأشخاص من جنسيات مختلفة، لا يعرف ظروف الإدلاء بها، وقبل عرضهم على قضاء شفاف؛ ما يجعل القناة والمقدم شركاء في جريمة تعذيب".

وقالت المنظمة، في بيان لها: إن "أديب عرض على مدار الأيام الماضية فيديوهات لمواطنين من الجنسيات المصرية والتايلندية والتونسية والسودانية والفلسطينية، يدلون باعترافات عن مشاركتهم في مظاهرات.

وأضافت: "أكد (أديب) أنه حصل على هذه الفيديوهات من أجهزة أمن الانقلاب سيئة السمعة، ولم يكترث لظروف الإدلاء بالاعترافات وقانونية نشرها، إنما كان همه الإيحاء للجمهور بأن هنالك مؤامرة كونية على مصر لإحباط دعوات التظاهر ضد نظام المجرم السيسي".

وكشفت المنظمة عن أن "أديب وغيره من الإعلاميين سخروا ساعات طويلة لبث تسجيلات ومكالمات مسربة، لشيطنة كل من تحدث بكلمة نقد للأوضاع  السيئة التي تعيشها مصر، ولإقناع الجمهور أن من يقف وراء دعوات التظاهر جهات خارجية تريد تدمير مصر".

وأشارت إلى أن الإعلامي وائل الإبراشي كان قد قام ببث مكالمة مسجلة بين الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وممثل عن شركة إنتاج، حصل عليها من أجهزة الأمن، يناقشون فيها تسجيل حلقة حول موضوع يهم الشأن المصري؛ ما يعد اعتداء صارخا على الخصوصية، وبعد تسريب المكالمة تم اعتقال الدكتور حسن نافعة".

وقالت إن الهدف من التسريب كان من أجل شرعنة عملية الاعتقال.

وحذرت المنظمة من خطورة هذا النهج الإعلامي الذي يشد من عزم ميليشيات أمن الانقلاب لتوسيع هجماتها على الناشطين، مشيرة إلى أن عدد المعتقلين وصل قبل انطلاق مظاهرات أمس الجمعة إلى أكثر من 1900 شخص، منهم نساء وأطفال؛ ما يؤكد أن هذه الأذرع الإعلامية شريكة في عملية منهجية واسعة النطاق ضد الناشطين، الذين جرى اعتقالهم وإخفاؤهم قسريا وتعذيبهم وحرمانهم من حقوقهم القانونية.

واعتبرت المنظمة أن "ما يقوم به هؤلاء الإعلاميون هو خرق فاضح لميثاق الشرف الإعلامي، وانتهاك جسيم للقانون الداخلي والدولي، مما يسمح للضحايا بملاحقة هؤلاء الإعلاميين في كل المحافل، لمحاسبتهم على جريمة الاشتراك في التعذيب والتشهير".

وشددت على حق المصريين في التعبير عن رأيهم والتجمع السلمي، داعية إلى الضغط على النظام من أجل إطلاق سراح المعتقلين ووقف حملة القمع والتنكيل والتشهير بالناشطين.

طرق مغلقة

وانتقدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية سلوك سلطات الانقلاب العسكري في قمع الاحتجاجات المطالبة برحيل عبدالفتاح السيسي .

وقالت الصحيفة في تقرير لها إن ميليشيات أمن الانقلاب نشرت "عصابات" من رجال ملثمين مسلحين وشرطة مكافحة الشغب، قامت باتخاذ إجراءات صارمة وتضييقات في المناطق الوسطى من القاهرة؛ ما حال دون وصول المتظاهرين إلى ميدان التحرير، مشيرة إلى أن ميليشيات أمن الانقلاب أغلقت أكثر من عشرة طرق مؤدية إلى ميدان التحرير، مهد الربيع العربي ومركزه في ثورة يناير عام 2011 التي أطاحت بالحكم الاستبدادي الطويل لحسني مبارك.

وأكدت أن الشوارع كانت مهجورة، مع وجود قوات أمن الانقلاب فقط؛ ما جعل المنطقة مثل القلعة التي لا يمكن اختراقها.

وأشارت الصحيفة إلى أنه تم إغلاق بعض محطات المترو في وسط القاهرة، "وعند نقاط التفتيش، قام ضباط الشرطة بإيقاف الأشخاص بشكل عشوائي، وخاصة أولئك الذين يستخدمون الدراجات النارية، مطالبين برؤية وثائق هويتهم وحتى محتويات هواتفهم وحساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي".

وأضافت: مع قيام حكومة العسكر بخنق الحركة والتجمع ومنع حرية التعبير للمصريين، فإنها جلبت عشرات الآلاف ليخرجوا ويتجمعوا في مدينة نصر لتنظيم مظاهرة مؤيدة للسيسي على بعد أمتار من ميدان رابعة؛ حيث ارتكبت ميليشيات العسكر مجزرة وقتلت آلاف الرافضين للانقلاب في عام 2013".

حالة طوارئ

وأدانت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان الإجراءات التعسفية الموسعة التي قامت بها سلطات وأجهزة أمن العسكر والتي طالت أعدادًا كبيرة من المواطنين المطالبين برحيل المجرم عبدالفتاح السيسي.

وقالت الجبهة، في بيان لها: إن الإجراءات الأخيرة هي "تطبيق غير مسبوق لحالة الطوارئ المستمرة من أبريل 2017، وكأن البلاد مُقبلة على حرب أو كارثة طبيعية وليس مجرد تظاهرات سلمية .

وأضافت ان سلطات العسكر في تعاملها مع المطالب السياسية تبدو كأنها "لا تفرق بين النظام والدولة"، وتعتبر أن "أي دعوات لرحيل رأس النظام هو تهديد للدولة، وهو ما يمكن أن يفسر هذه الحالة من التأهب القصوى والاستعدادات الأمنية المشددة، بما صاحبها من انتهاك واسع للحقوق والحريات الشخصية".

وأشارت الجبهة إلى أن سلطات الانقلاب تطبق حالة الطوارئ المعتادة، وهي الحالة التي تعطي صلاحيات استثنائية للسلطة التنفيذية لمواجهة حالة غير عادية، لكن بشكل أكثر صرامة؛ حيث تستعملها سلطات الانقلاب عندما ترى أن القوانين والإجراءات العادية عاجزة عن مواجهتها.

وأكد البيان أن سلطات الانقلاب بممارستها هذه الإجراءات الاستثنائية المتوسعة تخالف الحقوق المنصوص عليها في دستور العسكر 2014، والفقرة 1 من المادة 4 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي توجب عدم تعطيل الحقوق والحريات الأساسية حتى في ظل حالة الطوارئ.

وأضاف: عمدت سلطات العسكر على خلفية المظاهرات إلى الاستيقاف والقبض العشوائي على مئات المواطنين، تقدرهم مؤشرات حقوقية بما يقترب من الألفي شخص، مؤكدًا تعرض المعتقلين لأنواع مختلفة من الانتهاكات تخل بحقوقهم المكفولة بالقانون والمواثيق الدولية، حيث احتجازهم في معسكرات قوات أمن الانقلاب في ظل أوضاع احتجاز سيئة مثل التكدس، وسوء أوضاع التغذية والرعاية الطبية، وعدم تمكينهم من التواصل مع ذويهم".

وحذر البيان من أن هذه الحالة المتصاعدة للإجراءات الاستثنائية تفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات عدة، مثل ماهية المعيار الذي على أساسه قررت سلطات العسكر رفع حالة الطوارئ للدرجة القصوى، لدرجة إرهاب المواطنين، وبث الفزع والرعب في نفوسهم، وتخويفهم من انتهاك حقوقهم وحرياتهم في أي وقت؟، وإلى متى يمكن أن تستمر الأجهزة الأمنية في هذه الحملة المشددة، خاصة مع اتساع دائرة الاشتباه هذه المرة لتشمل عموم الناس؟".

وطالبت الجبهة السلطات بالتوقف فورا عن "التطبيق غير المسبوق لحالة الطوارئ والتي انتهكت على خلفيتها حقوق وحريات المئات، إن لم يكن الآلاف من عموم المواطنين، فضلاً عن إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية هذه الأحداث".

وشدّدت على أنه "كان من الواجب على السلطات، بديلا عن القمع الافتراضي لحراك عفوي، العمل على الإنصات الكامل لهذه الدعوات، وما تحمله من مطالب ودلالات سياسية، واحترام حقوق المواطنين وحقهم في التظاهر والتعبير عن الرأي والتجمع السلمي، بل وضمان حمايتهم.