لم يكن الجنرال عبدالفتاح السيسي - عندما قام بانقلابه المشئوم في 3 يوليو 2013م، ثم تنفيذ عشرات المذابح الوحشية المروعة - سوى بلطجي تم "كراه" بمليارات الخليج لتنفيذ رغبات البلطجي الأكبر "إسرائيل"؛ لحمايته وضمان أمنه واستقراره على حساب الأمن القومي لمصر والمنطقة العربية كلها.

وتحلُّ علينا الذكرى السادسة لمذبحة رابعة 14 أغسطس 2013م  لتعيد شريط الأحداث الدموية التي تم توثيقها بالصوت والصورة وشهادات شهود العيان؛ حتى تكون سياجًا يحول دون طمس الحقيقة أو تشويه التاريخ أو سرد أكاذيب تبرر لكبار جنرالات المؤسسة العسكرية جرائمهم المروعة بحق مصر وشبعها وثورتها المجيدة في 25 يناير 2011م والمسار الديمقراطي الذي جاءت بها؛ فدهس العسكر كل ذلك  طمعًا في الحكم والسلطة ونهبًا لثروات مصر وتمكينًا لأعدائها من أجل إضعافها والسيطرة عليها، ولتبقى دائمًا "خادمًا" للمشروع الصهيوني المدعوم أمريكيًّا وأوروبيًّا وخليجيًّا.

أرقام الضحايا

وتباينت أرقام ضحايا المحرقة، بناءً على قدرة كل مؤسسة في الوصول إلى شهود العيان وأهالي الضحايا؛ فمن جانبها، أعلنت وزارة الصحة بحكومة الانقلاب بعد يوم واحد من المذبحة عن وقوع 333 قتيلاً مدنيًّا وسبعة ضباط خلال فض الاعتصامات و1492 مصابًا وزعوا على 23 مستشفى، بينما أكدت مصلحة الطب الشرعي - على لسان متحدثها الرسمي في نوفمبر 2013 - حصر 627 قتيلاً خلال واقعة فض اعتصام رابعة وحدها.

وفي مارس 2014، أعلن وزير الدفاع آنذاك وقائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي أن حصيلة ضحايا الفض لم تتجاوز 312 شخصًا، وبعد يوم واحد من تصريحاته أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان المعين من جانب سلطات الانقلاب تقريرًا ذكر أن عدد قتلى اعتصام رابعة العدوية بلغ 632 قتيلاً، منهم 8  عناصر من الشرطة.

في المقابل، أعلن تحالف دعم الشرعية أن ضحايا الفض تجاوز الـ2600 قتيل، بينما ذكر القياديان في جماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي وعصام العريان أن العدد تجاوز الثلاثة آلاف قتيل، فضلاً عن آلاف المصابين والمعتقلين.

ووثق المرصد المصري للحقوق والحريات 1162 حالة قتل، وذكر موقع "ويكي ثورة" - وهو موقع مختص بتوثيق أعداد ضحايا أحداث الثورة المصرية - أسماء 932 قتيلاً من خلال جثامين كاملة التوثيق، و133 قتيلاً آخر بمبادرات حصر بلا وثائق رسمية، فضلاً عن 5 جثث مفقودة وفقًا لشهادات ذويهم، و29 قتيلاً مجهول الهوية بحصر أولى لجهات حقوقية به احتمال تكرار، إلى جانب 80 جثة في مستشفيات الصحة غير معلومة البيانات بها احتمال تكرار، و81 حالة وفاة أو أشيع وفاتها بلا بيانات كافية.

وعلى صعيد المنظمات الدولية، قالت منظمة العفو الدولية: إنها وثقت 600 حالة قتل، مشيرةً إلى أن الجهات الأمنية لم تمكنها من الوصول إلى كل أماكن الاشتباك والاعتداء بشكل ييسر لها الحصر بدقة، بينما أكدت مؤسسة الكرامة الدولية أن عدد القتلى بلغ 985 شخصًا.

أحلك أيام مصر

من جانبها، وصفت منظمة العفو الدولية - في تقرير لها - فض الاعتصامات بـ"أحلك أيام مصر"، فيما اعتبرته منظمة هيومن رايتس ووتش جريمة ضد الإنسانية وعمليات قتل جماعي ممنهج.

وأدان الأمين العام للأمم المتحدة وقتها بان كي مون استخدام القوة والعنف ضد المتظاهرين، وقال: "أدين بأشد التعابير حزمًا أعمال العنف التي وقعت في القاهرة عندما استخدمت قوات الأمن المصرية القوة ضد المتظاهرين".

كذلك قالت مفوضية الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي آنذاك كاثرين آشتون: إن العنف لن يؤدي إلى حل، ودعت الحكومة المصرية إلى التحلي بضبط النفس.

وانتقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما ما وصفها بالخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد المدنيين، ودعا لاحترام حقوق الإنسان والبدء في حوار شامل.

فيما وصفت صحيفة الجارديان البريطانية فض الاعتصامات بالمذبحة التي خلفت ضحايا أغلبهم لم يكونوا مسلحين، كذلك اعتبرته مجلة نيوزويك الأميركية أظلم يوم في مصر، وقال موقع الإذاعة الألمانية "دويتشه فيلله" إنه أحلك أيام مصر في التاريخ الحديث.

وأصدر مكتب رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان بيانًا طالب فيه بوقف المجزرة فورًا، منتقدًا موقف الأسرة الدولية الذي أدى لتشجيع حكومة الانقلاب على الفض، وقال الرئيس التركي آنذاك عبد الله جول: إن ما حدث في مصر تدخل مسلح ضد مدنيين لا يمكن أن يقبل إطلاقًا.

وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية البريطانية إن حكومته تشعر بقلق عميق إزاء التقارير الواردة من القاهرة، داعيًا إلى حل سلمي للأزمة.

وعلى المستوى العربي نقلت وكالة الأنباء القطرية الرسمية عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أن بلاده تستنكر بشدة الطريقة التي تم التعامل بها مع المعتصمين السلميين، بينما أعربت الخارجية الإماراتية في بيان لها عن تفهمها للإجراءات السيادية التي اتخذتها الحكومة المصرية، داعية في الوقت نفسه إلى تجنيب المصريين إراقة الدماء.

وداخل مصر، أذاع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب كلمة أعلن فيها حزنه لوقوع ضحايا، وحذر من استخدام العنف وإراقة الدماء، داعيًا إلى ضرورة اللجوء إلى الحل السياسي والحوار العاجل بين أطراف الأزمة.

وترفعت شخصيات ليبرالية على الخصومة السياسية مع الإسلاميين، وانحازوا للموقف الأخلاقي؛ حيث انتقد عدد من النشطاء الحقوقيين المحليين المذبحة، وقال المدون وائل عباس: إن أعداد ضحايا الفض لم يسبق له مثيل في مصر منذ حرب أكتوبر 1973 ونكسة 1967، مشيرًا إلى أنه حادث إجرامي يجب أن يحاسب مرتكبوه، وأشار الناشط السياسي علاء عبد الفتاح إلى أنها مجزرة أسوأ من الكوابيس والخيالات، وقال أستاذ العلوم السياسية عمرو حمزاوي إن مذبحة رابعة جريمة بشعة ستظل تلاحق من تورطوا فيها وبرروها.

أدلة دامعة

"اعتصام مسلح"، كانت هذه هي الأكذوبة التي روجت لها أبواق العسكر من أجل تبرير هذه المذابح الوحشية التي نفذها الجيش والشرطة بحق المعتصمين في ميادين رابعة العدوية بالقاهرة وميدان نهضة مصر ومصطفى محمود بالجيزة، وثبت بالأدلة الدامغة أنها ليست سوى سلسلة أكاذيب ممنهجة لتبرير الجريمة الوحشية والتغطية على المذابح المروعة.

فلو كان قادة الاعتصام يريدون خوص صراع مسلح لما كان لهم أن يعتصموا من الأساس؛ لأن الاعتصام بحد ذاته هو أداة سلمية من أدوات الاحتجاج والتعبير عن الرأي، ولا يوجد في العالم كله مجموعة تريد خوض صراع مسلح تقيم اعتصاما لتجعل من عناصرها صيدا سهلا لخصومها وأعدائها!

الأمر الثاني أن موقع الاعتصام ذاته يعصف بهذه الأكاذيب؛ فقد كان محاطا بثكنات عسكرية من كل جانب، وتحيط به وحدات الجيش والمخابرات، وهؤلاء بطبيعة الحال كانوا يتوغلون في الاعتصام ويمرون بكل متر فيه ويعرفون تماما أن القول بوجود أسلحة لا يقل سخافة عن القول بأن زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي أسر قائد الأسطول السادس الأمريكي الذي كان يريد دعم الإخوان، أو أكذوبة وجود كرة أرضية تحت المنصة يتم فيها دفن القتلى.

الدليل الثالث أن قادة الاعتصام كانوا حريصين أشد الحرص على استمرار البث الحي لتفاصيل الاعتصام طول اليوم دون توقف في الوقت الذي كانت تسعى فيه سلطات الانقلاب إلى منع البث بأي طريقة؛ وتفسير ذلك أن من يريد الحقيقة يسعى إلى كشفها بالبث الحي والمباشر أما من يريد التغطية على الجريمة، فهو من يمنع البث ويسعى للتعتيم وطمس الحقيقة.