أجمع كل من عاشر الإمام البنا- زميلاً أو متعلمًا - علي دماثة خُلقه، كان في كل أموره حليمًا صبورًا، يواخي في الله، ويعمل بحق النصيحة وحقوق الأخوة .
يقول الأستاذ عمر التلمساني: "كان رضوان الله عليه متئدًا في كل ما يفعل يأخذ الأمور في هدوء المفكر، وصبر الحليم، وكأن ما حدث لم يحدث، ثم يبدأ العلاج في حنكة وخبرة ودراية، وكان ذلك سببًا في سلامة الدعوة طوال حياته من الهزات العنيفة التي تعطل المسيرة، فكان يعالج المشاكل بما يذهب بها في هدوء".
ويقول أيضًا عن دينه: فكان من أشد جيله اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيرةً على أمته ودينه بالعمل والجد".
أما علاقته بالناس فيقول: كان حريصًا على المؤاخاة في الله فكان يقول: (إن لم ترد أن تكون أخًا نسعد بك، فلا أقل من أن تكون صديقًا نرتاح إليك)، ولهذا لم يكن هناك من يجفو حسن البنا إلا من كان لا يريد شرع الله".
وعن سماحته وخلقه يقول: أيها الحبيب: أية ناحية من نواحيك يستطيع هذا القلم الهزيل أن يتحدث عنها؟ وكل نواحيك كريم جليل.. حنوك علينا؟ برك بنا؟ كنت تحنو حتى لنلمس الحنان مجسمًا، وتدنو حتى يخيل إلينا أنك صنونا.. أيها الحبيب: لقد صاغك الله بقدر، فجئت على قدر، وكذلك الأفذاذ، ومنحك الله المدد، فغاض من معينك الصافي، ونبعك المتدفق، أعطر ورد ينهل منه الناهلون، لا مددك ينتهي ولا هم يرتوون".
وتحدث عبد القادر عودة عن دعوته فقال: "لقد دعا حسن البنا الناس إلى أن يفهموا الإسلام على أنه قوة وعزة وكرامة بعد أن فهمه الناس على أنه ضعف واستعباد واستسلام، ودعا الناس إلى أن يفهموا الإسلام على أنه عدالة ونظافة وحرية ومساواة بعد أن أرهقت المسلمين المظالم، وفشت فيهم المآثم، وبعد أن فقد المسلمون حريتهم وزالت دولتهم.. ودعا المسلمين إلى أن يفهموا الإسلام على أنه اتحاد بين أفرادهم، وتوحيد لبلادهم، وأنه أخوة بين المؤمنين وتعاون وتضامن بين المسلمين".
وتحدث عودة عن أبرز سمات الإمام فقال: "لقد كان أبرز ما في الإمام البنا رجولته الكاملة الناضجة، تلك الرجولة التي كملت ونضجت بكمال الإسلام في نفسه وإخلاصه لله في عمله وقوله، فما علم عليه الناس أنه عمل لهوى أو سكت لمنفعة، أو جامل قويًا، أو كتم كلمة حق، وإنما هو التجرد للحق في كل الحالات وفي جميع الظروف.
ويقول المستشار صالح أبو رقيق: "وزاد من حبنا للإخوان أن الإمام البنا، وهو الرجل الموفق كان يغمرنا بعاطفته القوية، وكان يحفظ أسماءنا فردًا فردًا مما يشعرنا بالاهتمام، بل كان يعرف مشكلات الإخوان الاجتماعية بالتفصيل، وكان دائم السؤال عنها".
ويقول الأستاذ البهي الخولي: "وعرض عليه الإنجليز ذهبهم الوهاج في مستهل الحرب العالمية الماضية، ألوفًا وعشرات الألوف، من ورائها خزائن طوع أمره، ورهن إشارته، ولكن الرجل المتواضع السهل السمح أذل بكبريائه القاسية من جاء يسومه في مثله وكرامته.. نعم، وهذه شركات الإخوان المسلمين يعمل في مجال إدارتها جميعًا فتعرض عليه المرتبات السخية، والمكافآت المجزية، ولكنه يريد أن يكون مأجورًا من الله لا من الناس، فيجعل عمله في هذه الشركات حسبةً لله سبحانه".
ويقول الأستاذ سعد الدين الوليلي عن رحلة الإمام لسوريا: وعند انتصاف الليل دعانا الأخ عمر بهاء الأميري للنوم والراحة ولشد ما كانت دهشة فضيلته حينما وقفنا بباب الأوريان، "فندق سوري"، ثم صاح "يا عمر! أنبيت هنا في المكان الأنيق حيث الفراش الوثير والطعام الشهي، وإخواننا المجاهدون في معسكري البريج بفلسطين وقطنا بسوريا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء؟. والله لليلة في دار من دور الإخوان أفترش الحصير وألتحف عباءتي وأتوسد ذراعي أحب إلي من الدنيا وما فيها".
وتحت عنوان "أنا تلميذ حسن البنا" كتب فضيلة الشيخ محمد الغزالي يقول: "كنت وما زلت تلميذًا لحسن البنا، أذكر دروسه وأترسم خطاه، وأفيد من تجاربه، وأنا مستبشر بدعائه لي ورضائه عني.. ونظرتي إلى ذلك الإمام الشهيد أنه من قمم الفقه الإسلامي، ومن بناة أمتنا الفقيرة إلى الرجال، بل هو بلا ريب مجدد القرن الرابع عشر الهجري، وأشهد بأن له - بعد الله - الفضل الأول في توجيهي وتثقيفي.."
وعن أسلوبه في تربية الإخوان يقول الشيخ الغزالي: "كان لدي حسن البنا ثروة طائلة من علم النفس، وفن التربية وقواعد الاجتماع، وكان به بصر نافذ بطبائع الجماهير، وقيم الأفراد، وميزان المواهب.. وهذه بعض الوسائل التي تعين على الدعوة وليست كلها".
وتحت عنوان "لم يمت ولم يموت" كتب فضيلة الشيخ الباقوري وزير الأوقاف المصري: "والإمام الشهيد لم يمت بهذا المعنى لأنه لم يعش لأسرته الخاصة ولم يعش مع جماعة محدودة من أصدقائه حتى يكون من الممكن أن ينسدل عليه ستار النسيان بسلو أسرته عنه وأطراح أصدقائه لذكراه، وإنما كان يعيش - رحمه الله - في نفوس الألوف المؤلفة في مصر وفي خارج مصر.. لقد صنع حسن البنا جيلاً من الناس على مثل نفسه الكبيرة، وعلمه الغزير، وإرادته الصارمة، وأسلوبه في التفكير إذا فكر، وفي التعبير إذا عبر، بل في طريقة تلاوته للقرآن إذا تلاه قاعدًا يتأمل أو قائمًا يصلي، ولقد صنع حسن البنا كذلك جيلاً من الناس أقبل على الإسلام يدرسه دراسة المستبصر، ويفهمه فهم المتأمل ويعمل به عمل المؤمن.."
وكتب الأستاذ أحمد أنس الحجاجي عنوان "إعجاز" : "وكان إمامنا الشهيد مسلمًا مصنوعًا على عين الله منذ نشأته وصباه، وقد وهب نفسه للدعوة الإسلامية واختاره الله لها، فعاش لها وبها وجاهد في سبيلها، واستشهد في ميدان الكفاح والنضال من أجلها، فكان في حياته كلهاـ كطبيعة الفكرة التي اصطنعته - معجزًا، الإعجاز الذي نسجه الإسلام تاجًا لرجاله وقادته في كل زمان، فهم أبدًا يتحدون به كل معركة نزال وفي كل ساحة نضال!.. وكان معجزًا فأتعب خصومه وأرهقهم، طاردوا فكرته، واضطهدوا أنصاره، وفتحوا لهم السجون والمعتقلات، وصبوا عليهم كل أنواع الظلم والعذاب! ثم قتلوه! وقال بعضهم لبعض: "إنه قد مات!.." ومع ذلك فقد راحوا يحشدون الجند ويجمعون القوات، لمحاربة هذا الذي في زعمهم قد مات. ثم منعوا تشييع جنازته، وصنعوا ما صنعوا مما لم يشهد الناس له مثيلاً في أظلم العصور، فسخر منهم وقال التاريخ كلمته:
علو في الحياة وفي الممات الحق تلك إحدى المعجزات
وكتب الأستاذ سعيد رمضان زوج ابنة الإمام البنا في مذكراته يقول: "آه.. قتل حسن البنا بعد عشرين عامًا قضاها في جهاد مرير متصل الأيام والليالي، لن أنسى جولاته في الأقاليم لا ينام إلا ساعتين أو ثلاثة كل يوم وليلة، ولن أنسى سهره الليل عاكفًا في المركز العام أو في منزله أو في الشهاب على أعمال الدعوة، ولن أنسى دموعه التي طالما هطلت في غفلة من الناس على الإسلام والمسلمين.. لم تمت يا فضيلة المرشد!، لا والله الذي خلقك! لا والذي أنعم علينا بك!! ومتعنا بصحبتك، لقد فتحت قلوبنا على النور، ووضعت أيدينا على أول الصراط وجمعتنا يا حبيب من شتات، سنمضي إلى حيث كنت تدعو وتربي وتحترق بالليل والنهار".
وعن الإمام كتب الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد واصفًا إياه: "رجل كأنما أفلت من الرعيل المحمدي الأول، جيل الوحي والمعجزات، جيل البطولة والأبطال ليعيش في جيلنا الحاضر، جيل الظلم والظلمات، جيل الرجال وأشباه الرجال، جيل الغاب المتحضر، والمخالب المكسوة بالقطيفة المخضبة بالدم الأحمر.
رجل لا يقاس بمقاييس زعماء العصر الحديث، بل يرتفع إلى عصر الدعاة الضخام كعمر بن عبد العزيز وابن تيمية.. لقد كان "حسن البنا" "عنصر خلود" عجيب بين مقومات المادة ومعالم الفناء، كان "شحنة إلهية" فذة سرت في أعصابها أقباس النبوة، وأنوار الدعوة، وروح محمد - صلى الله عليه وسلم ـ، كان "شعلة حياة" عالية الجذوة تتوهج في ظلمات الناس فتفيض عليهم بأمواج النور والحرارة والسناء، كان "عنصرًا" أصيلاً من عناصر الطبيعة يعمل للإصلاح بفطرته".
وتحت عنوان حسن البنا العبقرية الفذة كتب الأستاذ محمد عبد الله السمان يقول: "وجاء حسن البنا ليقرّ في أذهان هذه الشعوب المسلمة، أن الإسلام دين ودولة، ومصحف وسيف، وقانون ونظام، ودستور وتشريع، وكفاح وجهاد. وليقر في ذهن المسلم أن مهمته في الحياة ليست مقصورة على التدين والتعبد، وإنما هي فوق هذا جهاد من أجل الإسلام حتى تكون له الكلمة العليا في الأرض، كما أن له الكلمة العليا في السماء..".
يقول الأستاذ أمين إسماعيل: "أريد أن أكتب عن حادث يخفى على الناس اشترك فيها "حسن البنا" فغير وجه التاريخ، وكتب تاريخًا جديدًا.. خذ "موقعة العلمين" مثلاً من الأمثلة التي تحول فيها تاريخ البشرية جميعًا، موقف "حسن البنا" ورأى "حسن البنا" في هذه اللحظة الحرجة من عمر التاريخ.. ولو أن المرحوم اللواء عبد الرازق بركات باشا كان حيًا لاستطاع أن يقول عن هدى تأثير "حسن البنا" في "موقعة العلمين"!!.. وإليك مثلاً داخليًا، معاهدة "صدقى - بيفين" كيف لم يكتب لها أن ترى النور، كيف قتلت في مهدها، كيف ثار عليها الشعب، كيف سقطت وزارة صدقي؟ لو أتيح لنا أن نتكلم عن هذا، إذا لكشفنا عن صفحة أخرى، كتبها "حسن البنا" بيده وأهداها للتاريخ؟ وأمثلة أخرى، كيف هرب أمين الحسيني إلى مصر وكيف نزل الأمير عبد الكريم إلى أرض مصر؟.. إن العالم يعرف أن "حسن البنا" هو "المدرس" الذي علم المسلمين ما هو الإسلام؟! ولكن العالم - إلى حد ما - تغيرت سياساته ووضعت خططه، في الغرب قبل الشرق، وكان التغيير بسبب "حسن البنا" وكانت الخطط الجديدة تتأثر سلبًا وإيجابًا "بحسن البنا" وبدعوة "حسن البنا"؟!! حسب له "هتلر" حسابه، وحسب له "موسوليني" حسابه، وحسب له "ستالين" حسابه، وحسبت له بريطانيا حسابه، وحسبت له فرنسا حسابها، وحاولوا جميعًا أن يرتموا على أقدام "المدرس" الفقير الزاهد ليتصلوا به، ولكته كان لا يتصل إلى بالله، والله أعز وأقوى من ألمانيا وإيطاليا وروسيا وبريطانيا وفرنسا مجتمعين ومنفردين".
"هذا البناء الضخم، الإخوان المسلمون، إنه مظهر هذه العبقرية الضخمة في بناء الجماعات، إنهم ليسوا مجرد مجموعة من الناس، استجاش الداعية مشاعرهم ووجداناتهم، فالتفوا حول عقيدة.. إن عبقرية البناء تبدو في كل خطوة من خطوات التنظيم، من الأسرة إلى الشعبة إلى المنطقة إلى المركز الإداري إلى الهيئة التأسيسية إلى مكتب الإرشاد.. ثم بعد أن يستعرض العبقرية في بناء الجماعة وتنظيمها يقول: "وقد استطاع حسن البنا أن يفكر في هذا كله أو أن يلهم هذا كله.. فيجعل نشاط الأخ المسلم يمتد وهو يعمل في نطاق الجماعة إلى هذه المجالات كلها".
وكتب عنه الأستاذ صالح عشماوي: "وكان حسن البنا طاقة ضخمة من الحكمة والكياسة، وعبقرية فذة في فن القيادة والسياسة، وحسبه أنه استطاع أن يقود دعوته ويسير بجماعته، تحت سمع المستعمرين، وبصرهم، وتحت أنف المتزعمين وأحزابهم".
ثم يضيف أن عظمة حسن البنا وعبقريته لا تقتصر على تنظيمه للجماعة وقيادته لها، وإنما أيضًا تمتد تلك العبقرية بعد موته في ثبات أفراد الجماعة أمام المحنة التي تعرضت لها الجماعة عقب استشهاده فيقول: "ولقد أثبتت الحوادث الأخيرة عظمة حسن البنا في تربيته، وعلى عمق هذه التربية ورسوخ هذا التكوين، فلقد تعرض أتباعه جميعًا لأشد فتنة وأعظم بلاء في عهد حكومة الإرهاب، وانصب عليهم من العنت والاضطهاد والعذاب ما لو سلط على جبل لاندك وانهار، تعرضوا للسجن والاعتقال، وللضرب الوحشي وللتعذيب الذي يتضاءل معه تعذيب محاكم التفتيش في القرون الوسطي، وتعرضوا للنفي والتشريد، وحوربوا في أرزاقهم وهددوا في أعراضهم، وسقط شهداؤهم واحدًا بعد واحد، واغتيل قائدهم على قارعة الطريق، وفي وسط المعركة فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا".
يقول الأستاذ عبد الحكيم عابدين "حسن البنا.. مرحلة حاسمة في تاريخ العقل الإسلامي". يقول فضيلة الشيخ عبد الحميد كشك: "الإمام الشهيد حسن البنا هو الداعية الذي بعث الأمل في قلوب اليائسين، وقاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط إلى طريق الله رب العالمين.. عرفته من كتاباته، وعرفته من مريديه ومحبيه، وعرفته من آثاره الطيبة وأعماله المجيدة، عرفته داعية يجمع ولا يفرق، يحمي ولا يبدد، يصون ولا يهدد، يشدد أزر الأصدقاء ويرد كيد الأعداء..".