- الاحتلال اقترف جريمتين بحقي اعتقلني بعد صفقة "الأحرار" وأبعدني عن وطني

- السلطة الفلسطينية فشلت في الإفراج عن أسير واحد وأبو مازن كرمني "بقطع معاشي!

- حصيلة أعداد الأسرى بسجون الاحتلال 4900 أسير منهم 63 مصريًّا

- رأيت الموت بعيني والسجانين كانوا يتعمدون الأكل والشرب أمامي لإجباري على كسر الإضراب

- مرضي سجن الرملة يعيشون الجحيم والعيادة لا تصلح حتى للحيوانات

- هناك جرائم ترتكب داخل السجون لا تعلمها الشعوب ويتغافل عنها الإعلام

- الأسيرات يتعرضن لأسوأ المعاملات ويحبسن بجوار سجينات صهاينة جنائيات

- استقبال أبناء حماس وأهالي غزة إنساني الأيام الصعبة بالمعتقل

 

حوار: سماح إبراهيم

ضرب مبرح، تعذيب، عزل، تحرش، تفتيش عارٍ، إهمال طبي، ضغط نفسي، تجويع.. كل هذه الممارسات التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني دفعت الكثير منهم إلى الإضراب عن الطعام؛ احتجاجًا على تلك المعاملات غير الأخلاقية والمخالفة لاتفاقيات جينف بشأن معاملة الأسري، في محاولةٍ منهم لإثارة الرأي العام تجاه قضيتهم والضغط على إسرائيل لوقف جرائمها.

 

أيمن الشراونة أحد الأسرى الذين حطموا الأرقام القياسية في الإضراب عن الطعام ليظل صامدًا أمام ممارسات الصهاينة داخل السجون، وأجبرها على خوض جولات كبيرة من المفاوضات لوقف إضرابه عن الطعام، الذي استمر مدة ‬261 يومًا متواصلة.

 

الشراونة "فارس الخليل" صاحب أول إضراب من محرري صفقة الوفاء للأحرار، ليمنح الحرية التي سُلبت منه مقابل إبعاده عن بلدته الأصلية بالضفة وزوجته وأبنائه التسع, على أن يستقر بقطاع غزة لمدة عشر سنوات.

 

* بدايةً.. نهنئ البطل الحر الذي أجبر سلطات الاحتلال على التراجع عن اعتقالها الإداري وإطلاق سراحك.. البطل أيمن الشراونة فلتحدثنا عن مشوار اعتقالك بسجون الاحتلال الصهيوني منذ 2002م؟!

 

** بارك الله فيكم.. وعلى الرحب والسعة.. تم اعتقلي للمرة الأولى في العاشر من أيار 2002م، وتحديدًا بعد خمسة أيام من تنفيذه عملية بئر السبع مع رفيقه مراد الرجوب، وكانت العملية تابعة "كتائب عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة حماس أسفرت وقتها عن إصابة حوالي 24 جنديًّا صهيونيًّا.

 

وكنت أحد محرري صفقة "شاليت"، ولكن أعاد الاحتلال اعتقالي في آخر كانون الثاني العام 2012، في إطار الحكم الإداري في محاولة لاستخدام الأمر العسكري الذي ينص على إعادة محاكمة محرري "شاليت" بتهمهم السابقة وإعادة الحكم الذي فرض علي قبل الإفراج عني في المرة الأولى، وهو أن أبقي في السجن لمدة ‬28 عامًا.
أمعاء خاوية لمدة 261 يومًا وحبس انفرادي لمدة 11 شهرًا، كيف جاءت فكرة الإضراب؟!

 

إضرابي عن الطعام جاء لسببين رئيسين الأول هو حماية الأسرى المحررين الذين نالوا حريتهم في صفقة وفاء الأحرار، وعادوا إلى الضفة الغربية، حتى لا يتكرر معهم ما تعرض له.

 

أما عن السبب الثاني فهو حفاظًا وإكرامًا لدماء شهداء قطاع غزة التي سالت على مدار السنوات الماضية، وما يتعرض له سكان القطاع من حصار وممارسات مذلة ومهينه، فالاحتلال الصهيوني اقترف جريمتين بحقي، الأولى اعتقالي بعد أن نلت الحرية في صفقة وفاء الأحرار، أما الثانية فكانت في إبعادي عن أهلي ووطني جنين.

 

شروط معقدة

* ما المفاوضات التي طرحتها اتفاقية الاحتلال الصهيوني من أجل وقف إضراب الطعام؟!

** خضت جولة مطولة من المفاوضات من أجل وقف إضرابي عن الطعام، وكانت الاتفاقية التي طرحها الاحتلال مشددة ومعقدة، فقد فرض شروطًا عدة، لكني كنت أرفضها في كل مرة، من أجل كسر الحكم السابق الذي فرض علي.

 

ومن بين هذه الشروط أن يتم إبعادي إلى غزة، بشرط ألا أغادرها، لكني انتصرت عليهم وتقلصت الشروط، إذ تم الاتفاق على أن يتم إبعادي فقط ‬10 سنوات، وأن أسافر لغزة وإلى الخارج في أي وقت.

 

فالشروط كانت كثيرة، ولكنها بدلت وغيرت بموافقتي على 10 أعوام إبعاد إلى قطاع غزة، وإغلاق الملف القديم نهائيًّا مقابل حصاري في غزة، وتمَّت الموافقة على إدخال أهلي عبر معبر أبرز، ولكن في آخر اللحظات تم رفض هذا البند مقابل مرورهم من معبر الكرامة بشرط تسهيل سفرهم إلى غزة.

 

* وماذا عن الأوضاع داخل مستشفيات سجون الاحتلال وأسوء اللحظات خلال فترة الإضراب؟

** أجاب بصوت يملأه الحزن.. "جحيم"

واستطرد "رأيت الجحيم بعيني، فكان السجانين يقفون أمامي 24 ساعة ولا يفارقوني لحظة واحدة، ويتعاملون معي بقسوة، ويتعمدون الأكل والشرب أمامي وإحضار أطعمة ذات رائحة قوية وحلويات لإجباري على كسر الإضراب.

 

ويقول إن مستشفى "الرملة" التي يعالج فيها الأسرى لا تصلح أن تعالج بها الحيوانات، فالاطباء يعاملوننا بإهانة ليل نهار، وخلال فترة الإضراب أنهكت الآلام جسدي، وفقدت أكثر من نص وزني ليصل 45 كغم، ولا استطاع التحرك أو الذهاب إلى الحمام إلى على كرسي متحرك، وكنت أتناول 3 لتر من المياه يوميًّا، وفي آخر أسبوع من الإضراب رفضت تناول المياه، وكانت تلك أسوء اللحظات التي مررت بها، فقدت كنت أرى الموت بعيوني كل يوم.

 

فالأسرى المرضى في عيادة سجن الرملة سيشترون قماشًا أبيض ليكفنوا أنفسهم به بعد ما وصلوا إلى حافة الموت وأوضاعهم الصحية تزداد تدهورًا يومًا بعد يوم.

 

* من أبرز الشخصيات التي تعرفت عليها خلال سجنك؟!

** هم كثير، فكنت دائم التنقل بين سجن وأخر، وتعرفت على الكثير من المجاهدين، ومن ضمنهم "أبو النور البرغوثي، جمال أبو المشهي، سامر العيساوي، جعفر عز الدين وطارق قعدان، يونس الحروب، سامر البرق، فجميعهم أبطال يعانون الويلات بالسجون، أسال الله أن يتم الإفراج عنهم قريبًا.

* كيف كنتم تقضون أوقاتكم بالمعتقلات؟

** ما بين حفظ كتاب الله ودراسة العلوم الأخرى، ومتابعة الأخبار وخاصةً مستجدات الثورات، وإعانة بعضنا البعض على استثمار أوقاتنا فيما يُرضِ الله.

مقابر وليست سجونًا!!

* ما حصيلة أعداد الأسرى بسجون الاحتلال؟

** عدد الأسرى الفلسطينيين بالسجون الصهيونية يتجاوز 4900 أسير منهم 200 أسير بحاجةٍ لعمليات عاجلة و25 أسيرًا مصابًا بالسرطان!! و14 أسيرة!! و10 أسرى مقعدون على كراسٍ متحركة، وأكثر من 20 نائبًا بالمجلس التشريعي و4 وزراء ضمن الحكومة المقالة، مشيرًا إلى وجود أكثر من 235 أسيرًا أقل من السن القانونية و250 أسيرًا إداريًّا، 63 أسيرًا مصريًّا محكومًا عليهم في قضايا سياسية.

* ما الجرائم التي تتم داخل السجون وتتغافل عنها وسائل الإعلام؟

** تعرضنا جميعًا لأقذر وأشد أساليب التعذيب والإذلال والتنكيل, حروب نفسية وجسدية شرسة كانت تشنها قوات الاحتلال ضد الأسرى، وبخاصة الأسيرات فلهن وضع خاص مؤلم، فلا يُسمح للمعتقل بسماع الأخبار, يُسب ويقذف بأقذر الكلمات، ويكبل من يديه ورجليه في سريره طوال اليوم، وقد يجبروننا على عدم الدخول إلى "حمام السجن" لأيام!!
فلا أبالغ حينما أقول إننا نعاني الويلات داخل السجون، نعيش في زنزانة حقيرة تُشبه المقابر لا تتعدى مساحة أماكن الاحتجاز بها مترًا ونصف المتر في مساحة مترين ونصف،

 

أما بخصوص الأسيرات داخل السجون الصهيونية فيتعرضن إلى أسوأ المعاملات، ويُحبسن في زنزانات مجاورة للمعتقلات الصهاينة المحكوم عليهن جنائياً في قضايا مخدرات وقضايا قتل كما يقومون بسب وقذف الفلسطينيات بشكل مهين، ويتم منعهن من الزيارات وحضور المحامين أو لجنة الصليب الأحمر!!.

 

* صف لنا أثر معاناة الأسرى في السجون على الأهل؟

** بكاء لا ينقطع من الأهالي، واستغاثات لا تنتهي، فهناك منع أمني من الزيارة وعدم تبليغ الأهل بذلك فتذهب العائلة للزيارة ويمنعون من مشاهدة أبنائهم, وخلال الزيارات يتم التفتيش حتى يصل في بعض الأحيان إلى التفتيش العاري!!!, كما أن هناك الحاجز الزجاجي حيث يتم التحدث بين الأسرى وأهلهم عن طريق الهاتف, أما داخل السجون فهناك العزل والغرامة على أتفه الأسباب!!

 

* كيف تنظر إلى أداء السلطة الفلسطينية مع قضية الأسرى؟

** باستياء بالغ يجيب "لقد كافأني أبو مازن فور خروجي بقطع معاشي، فالأداء الرسمي للسلطة الفلسطينية لا يتناسب مع حجم القضية, وتجربة أبو مازن والسلطة الفلسطينية في التعامل مع قضية الأسرى، لم تسفر في الإفراج عن أسير واحد من السجون الصهيونية، لكن المقاومة وحدها هي مَن استطاعت أن تفرج عنهم في صفقة "الأحرار", مشيرًا إلى أن اتفاقات أوسلو التي توصَّلت إليها السلطة الفلسطينية مع الدولة العبرية لم يتم إدراج موضوع الأسرى ولم يأخذ حقه.

 

وبصوتٍ عال يستطرد "إن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، لن يتوقف يومًا، ويتم على أعلى مستوى"، فالسلطة الفلسطينية لا ترغب في المصالحة بين الفصائل.

 

وتابع: "مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فهناك جهود بذلها وزير شئون الأسرى والمحررين عيسى قراقع في قضيتي، وما زال يسعى جاهدًا لإسقاط ابتزاز الكيان الصهيوني واستغلاله للوضع الصحي لي لارتكاب جريمة مزدوجة بإبعادي عن أهلي بالضفة.

 

استقبال شعبي ورسمي

* ما شعورك فور إطلاق سراحك وكيف استقبلك أهل غزة؟

** شعور لا يوصف، فور وصولي لغزة محمل على عربة الإسعاف؛ حيث قام الأهالي باحتضاني، وتوافدوا لاستقبالي وتهنئتي بالحرية، شعرت وقتها بالنصر والاعتزاز والفخر
في مشهد رفع معنوياتي إلى السماء احتشد فيه المئات من أبناء حركة حماس وغزة عند المعبر حاملين صوري وأعلام حركتي حماس والجهاد الاسلامي وأعلامًا فلسطينيةً وصور عددٍ من المعتقلين المضربين عن الطعام في السجون الصهيونية، فقد أنسوني الأيام الصعبة التي رأيتها بالمعتقل.

 

* ما مقترحاتك لإثارة قضية الأسري بشكلٍ أوسع وأكثر فعاليةً؟!!

** هناك تقصير واضح في توضيح قضية الأسرى والمحررين الفلسطينيين وإعطائها البعد الإنساني إعلاميًّا ودوليًّا، وأرى ضرورة وضع برنامج خاص لمساندة الأسرى خلف القضبان فإخواننا الأسرى بحاجةٍ إلى كل جهدٍ يُبذل في سبيل الإفراج عنهم من سجون الاحتلال.

 

كما نُناشد الحكومة المصرية وأشقاءنا العرب الاهتمام بملف الأسرى ووضع رؤية وطنية صادقة وإبرام صفقات للإفراج عن الأسرى بسجون الاحتلال، فهناك ما يزيد عن 30 أسيرًا من "جنرالات الصبر" بالمعتقلات، وهم ممن مضى على اعتقالهم ما يزيد عن ربع قرن وحان الوقت لتنفيذ توصيات الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي، ومنظمة الصحة العالمية، لإرسال لجان تحقيق وتقصي حقائق حول أوضاع الأسرى المتدهورة في السجون ولوضع حد للوضع المأساوي الإنساني والمعيشي الذي يعيشه الأسرى.

 

ويوضح أن الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال يتعرضون لمعاناة صعبة وظروف قاسية، أن السبيل الوحيدة لتحريرهم هو إتمام صفقات تبادل.