الفقيه الدستوري صبحي صالح لـ(إخوان أون لاين):
- نصوص الصحة الأربعة لا يوجد نص في العالم أوسع منها
- الدستور الجديد هو المكافئ الوحيد لدم الشهداء فلا تضيعوه
- صلاحيات رئيس الجمهورية تقلَّصت حاليًّا عن ما انتخب عليه
- الدستور حقق مطالب الثورة المصرية وأطلق الحريات
- لا توجد مواد شارحة أو فضفاضة، وهناك بنود ضابطة لأخرى
- نصوص الدستور مبادئ وقواعد ينظمها القانون
- القيم الأخلاقية التزام مجتمعي وواجب الأفراد قبل الحكومة
حوار- الزهراء عامر:
"إعطاء الرئيس صلاحيات أكبر من دستور 71، الدستور المصري الجديد يكبح حقوق المرأة ويقيد دورها في المجتمع، الدستور سياسي فقط لم يهتم بمربع التنمية في المجتمع، يضيع حق العمال...".. هذه هي شبهات تدور حول الدستور المصري الأول الذى وضعه الشعب المصري عن طريق الجمعية التأسيسية التي تم اختيارها من قِبل البرلمان الذي انتخبه الشعب.
قبل ساعات قليلة من الاستفتاء على الدستور "إخوان أون لاين" يحاور الفقيه الدستوري صبحي صالح وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة وعضو الجمعية التأسيسية للدستور؛ لاستعراض أهم المود المختلف عليه وتوضيحها.
* بدايةً ما هو تقيمكم للدستور المصري الذي من المنتظر أن يقول الشعب المصري فيه كلمته بعد ساعات، وهل لبَّى احتياجات الثورة المصرية؟
** الدستور المصري الجديد الذي سيجري الاستفتاء عليه من أحد الدساتير المعدودة في العالم، بل هو في رأيي من أفضل الدساتير في العالم كله، وهذا الأمر ليس به أي نوع من المبالغة، بجانب أنه يلبي أهداف الثورة المصرية، خاصة باب الحقوق والحريات الذي لا نظير له، وعن طريقه أصبح الشعب المصري يتمتع بحرياته كاملة، بجانب أنه ثمرة أكثر من 40 ألف مقترح وصل للجمعية التأسيسية، ونتاج حوار مجتمعي شاركت فيه كل ألوان الطيف السياسي من اليسار إلى اليمين.
* ردد بعض المعارضين، وخاصة المنسحبين من الجمعية التأسيسية بأن الدستور قد "سُلق" ولم يأخذ الوقت الكافي لمناقشته فما ردكم على ذلك؟
** هؤلاء يختزلون عمل 6 أشهر في جلسة تصويت واحدة، والدستور قبل التصويت عليه تم طبخه على مدار 600 جلسة، حتى نصل للنتيجة النهائية للتصويت.
* اعتبر البعض أن التصويت على الدستور في جلسة واحدة "فضيحة" ولا يمكن قبول دستور صُوت عليه في جلسه ليلية، كما قالوا، فهل ترى أن هذا الأمر يعتبر خللاً؟
** جلسة التصويت لا بد أن تستمر حتى نهاية التصويت؛ لأنه ليس قانونًا يناقشه البرلمان، وعملية التصويت مرت بثلاث مراحل المرحلة الأولى التصويت على الدستور مادة مادة، ثم بعد ذلك التصويت على مشروع الدستور بأكمله، وبعدها تأتي المرحلة الثالثة بالتصويت النهائي على الدستور.
مواد ضابطة
* البعض يعيب على الدستور وجود مواد شارحة ومفسرة لبعض مواد أخرى وعلى رأسها المادة رقم (219) والتي تنص على "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، في مذاهب أهل السنة والجماعة"، وجاءت مفسرة للمادة رقم (2)؟
** ما يقال في هذا الشأن هو جهل ولا يوجد في الدستور أي مادة تفصيلة أو شارحة لمواد أخرى، فهذه المواد تسمى مواد ضابطة، والدستور يوجد به ثلاثة أنواع؛ أحكام عامة والتي تطبق على كل نصوص الدستور، وأحكام انتقالية مؤقتة، وأحكام ختامية مغلقة للدستور، وهذه العناوين مختارة ولم يتم وضعها بشكل عشوائي، وبالتالي يؤهل النص تحت عنوانه، ومن يرى أن هناك مواد زائدة أو ليس لها وظيفة يشير إليها.
وفيما يتعلق بالمادة رقم 219، فهي نص ضابط لمبادئ الشريعة الإسلامية الموجودة في المادة رقم 2، ولا يجوز الخروج عنه، والتي حدث اختلاف حول تفسيرها، والدستور من حقه أن يضبطها، مثلما حدث ذلك مع العمال والفلاحين وتحديد تمثيلهم.
حماية الحقوق
* ذكر مصطلح طبقًا للقانون، وبما لا يخالف، وبما ينظمة القانون، ألا ترى أن هذا الأمر يعتبر قيدًا على المواد ويفتح الباب لصدور تشريعات أخرى، ربما تلغي بعض المواد أو لا تفعلها؟
** هذه المصطلحات تهدف لحماية الحقوق وعدم المساس بها وليست قيدًا عليها، ونصوص الدستور مبادئ وقواعد ينظمها القانون، ويظل الدستور سقفًا للتشريع، وكذلك المواد التي لم يذكر فيها هذه المصطلحات أيضًا ينظمها القانون، وعلى سبيل المثال "الرعاية الصحية حق لكل مواطن"، هذا الأمر يتدخل فيها العديد من القوانين الخاصة بالمنشآت الطبية، والتمريض، والأطباء، والتأمين الصحي... وغيرها من القوانين.
*هناك من يرى أنه في الفقرة الثانية من المادة رقم 10 والتي تقول: تحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية...، بأن هناك قصورًا في الصياغة وكان من الأفضل أن تكون تتكفل الدولة، فما ردكم على ذلك؟
** القيم الأخلاقية التزام مجتمعي وواجب أفراد قبل حكومة، وبالتالي ختمت الفقرة "وذلك على النحو الذي ينظمه القانون"، وينظمه تعني وضع قواعد الجائز والممنوع، وكذلك طريقة مشاركة القيم مع المجتمع.
حرية الصحافة
* البعض يرى أن المواد رقم"48،49،51" الخاصة بالصحافة وإنشاء الأحزاب بها نوع من العوار وخصوصًا أنها تؤدي لإنشاء أحزاب دينية؟
** في الحقيقة أنا أتعجب من هذا الكلام فهذه المواد من أروع المواد التي تكرس لمبدأ الحريات، فعن طريق المادة رقم 48 تستطيع الصحافة أن تؤدي رسالتها بحرية واستقلال، ومن حقها أن تصيغ الرأي العام، وتوجه بحرية في إطار المقاومات الأساسية للمجتمع، وكذلك يمنع حظرها أو مصادرتها إلا بحكم من المحكمة.
والمادة رقم "49" والتي تنص على أن حرية إصدار الصحف وتملكها، بجميع أنواعها، مكفولة بمجرد الإخطار لكل شخص مصرى طبيعي أو اعتباري"، مادة جديدة ولا أحد كان يستطيع إصدارها من قبل.
ولماذا لم يتكلم من ينتقد هذه المواد عن المادة رقم "47" والتي من دونها لا يمكن للصحفي أن يكون صحفيًّا؛ حيث أتيحت له الفرصة في الحصول على المعلومات، وفي حالة الرفض يخضع هذا الأمر للمسألة القانونية.
التعليم والصحة
* لم تأخذ جوانب التنمية في المجتمع مثل التعليم والبحث العلمي والصحة حقها الكافي في الدستور، مقارنة بباب السلطات العامة، والسلطة الرقابية، بجانب أن موادهم جاءت إنشائية، فهل هذا حقيقة؟
** هذا الكلام ليس صحيحًا وأتحدى أي فرد أن يأتي بلفظ إنشائي من الدستور، فيما يتعلق بالصحة المادة رقم "62" بفقراتها الأربعة، لا يوجد نص في العالم أوسع منها، حيث جاء في الفقرة الأولى الرعاية الصحية حق لكل مواطن تخصص الدولة له نسبة كافية من الناتج القومي، وفقًا لنظام عال الجودة كما جاءت في الفقرة الثانية، وكذلك من حق أى مواطن في حالات الخطر أو الحوادث أن يعالج في أى مستشفى، وهذا الأمر لم يكن موجودًا من قبل، وحتى وسائل الدعاية المتصلة بالصحة لا بد أن تراجعها الدولة لتعلم هل هي مطابقة أم لا.
والتعليم يشترط أن يكون تعليمًا عال الجودة، وفي نفس الوقت مجانيًّا؛ لأن ما يوجد في مصر الآن ليس تعليمًا، لو طبق النص الدستوري على هذا الأمر لأغلقت جميع المدارس، وكذلك نص الدستور على أن تعمل كل المنشآت في خدمة العملية التعليمية، وتنفيذ خطة الدولة وأهدافها، أما فيما يخص البحث العلمي استقلاله لم يكن موجودًا من قبل في الدستور، والدستور الجديد نص على حرية البحث العلمي طبقًا للمادة رقم 59، بجانب أنه خصص له نسبة كافية من الناتج القومي، مثله مثل الصحة والتعليم، وأصبح دعمهم التزامًا على الدولة والتزامًا في الموزانه العامة، ولا بد من البدء بهم؛ لأن الدستور ينص على ذلك.
* لماذا لم تستبدل "وتخصص له نسبة "كافية" من الناتج القومي" فيما يتعلق بالتعليم والبحث العلمي والصحة، كما في المادة رقم 58،59، 62 بنسبة معلومة؟
** نسبة كافية أكثر دلالة من نسبة معلومة، ومجلس الشعب الآن هو الذي يحدد النسبة مع الحكومة، ومن حقه أن يغير من باب لباب آخر، والدستور ألزمهم بنسبة كافية، وهذا الأمر جديد، فالحكومة في السابق هي التي كانت تضع الموازنة العامة، ومن يهاجم هذه الكلمة لا يعرف دلالة الألفاظ.
* في المادة رقم "4" وفي الجزء الثاني من الفقرة الأول "ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية"، يعتبره البعض إقحامًا للمؤسسة الدينية في صناعة القرار؟
** هذا الأمر يقصد به الأخذ برأي هيئة كبار العلماء، مثلما يحدث في كل التخصصات، وهذا الرأي غير ملزم، وبالتالي خرجت كل اتجاهات الإسلام السياسي من هذا الأمر.
* في الفقرة الثالثة من المادة نفسها نصت على أن "وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل"، ما المقصود بهذه الجزئية، هل هذا الأمر مرتبط بقانون العزل السياسي، وضمان عدم تطبيقه على شيخ الأزهر؟
** غير قابل للعزل في فترة مدته فقط، ومدته لم تحدد بعد؛ لأن قانون الأزهر الشريف لم يتم عمله حتى الآن، أما فيما يتعلق بالجزئية الثانية "قانون العزل" فهذا النص له سريان زمني واضح ويرتبط بكل من ظل يعاند الشعب المصري من أعضاء الحزب الوطني المنحل حتى ثورة 25 يناير، وكل من استقال قبل 25 لا يُطبَّق القانون عليه، شيخ الأزهر لا علاقة له به.
* لماذا ذكرت في المادة رقم 76 "ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوي، رغم أن الجريمة ينص عليها القانون فقط؟
** هذا المعنى مؤكدًا وليس مخلاً ، خاصةً أن هناك جرائم أنشأها الدستور كما في المواد رقم 64،79،80"
ضمان الاستقلالية
* هناك من يعترض على أن الرئيس هو الذى يعين رؤساء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة، كما تنص على ذلك المادة رقم "202"؟
** من الذي يقول هذا؟.. المادة تنص على "يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى"، وهذا يعني أن دور الرئيس هو التوقيع، ولأنهم أجهزة رقابية مستقلة، لا بد أن يعينوا بقرار جمهوري، ولو وكل هذا الأمر لرئيس الوزراء أو وزير، لفقدت هذه الهئيات استقلالها.
* المادة 226 الخاصة باستمرار الرئيس حتى نهاية ولايته، البعض يهاجمها معللاً ذلك بأن أي دولة عندما تكتب دستورًا جديدًا، يجب أن يتبع ذلك انتخابات رئاسية؟
** أي من هذه الدول فعلت ذلك، المستقر في القوانين الدولية، أنه لا يوجد قانون يخالف المراكز القانونية المستقرة، والرئيس اكتسب مركزًا قانونيًّا مستقرًّا صحيح بإشراف قضائي ونتيجة غير مطعون عليها.
* إذن هل أعطى الدستور الجديد الرئيس صلاحيات أكثر من دستور 71؟
** على العكس تمامًا صلاحيات رئيس الجمهورية تقلَّصت حاليًّا عنها يوم ما انتخب، والدستور الجديد لم يعطه صلاحيات بل سلب منه اختصاصات.
* أصوات عديدة نادت بأن يكون الدستور موقتًا، ويتم إعداد دستور آخر بعد 5 سنوات، فما رأيكم؟
** مَن يحدد للدستور فترة صلاحية، يريد أن يختزل الدولة، ومستقبل الأمة كلها على مقاسه الشخصي، وبالرغم من ذلك المادة رقم 217 و218 تؤكد أن الدستور قابل للتعديل مع المتغيرات.
حقوق المرأة
* زعم البعض بأن الدستور المصري الجديد يكبح حقوق المرأة ويقيد دورها في المجتمع، فهل تجاهل الدستور حقوق المرأة؟
** مَن قال هذا الكلام لم يقرأ الدستور على الإطلاق، فكل أحكام الدستور تتكلم عن المواطن وليس عن الرجل أو المرأة، إذن الدستور يخاطب المرأة شأنها شأن الرجل، ثم زاد لها عن الرجل في الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة رقم 10.
* رسالة توجهها للشعب المصري قبل الاستفتاء؟
** أقول له إن هذا الدستور فرصة تاريخية لا تعوض وخطوة على أفق ممتد يحقق طموح وآمال الثورة، وهذا الدستور هو المكافئ الوحيد لدم الشهداء فلا تضيعوه، وفي حالة رفض الدستور في الاستفتاء ستعود مصر ليوم 13 فبراير 2011م، وكأنَّ الثورة لم تفعل شيئًا.